Cliquez ici pour modifier. تمهيد                                                                                                                                                                                              درسنا في اطار ماستر الادب العام والنقد المقارن مجموعة من الوحدات التي تدخل ضمنها مجموعات من المواد المتقاربة من حيث الموضوعات  حيث ان كل وحدة  تجمع بين موادها بخيط ناظم  يتمثل في مجموعة من الروابط المشتركة  بين هده المواد.

 

الوحدة الأولي

                                                                                                                       الآداب الموازية:

1.     الآداب الموازية    

2.     الأدب الشفوي           

3.       أدب الرحلات                                                                                            

أ)الآداب الموازية                                                 

وفي هده الوحدة حاولنا التعرف علي ثنائية مهمة في الأدب المقارن وهي الأدب العالمي مقابل الأدب الوضيع:‏ وقد طورنا مسار البحث وقمنا بوصف المنظومة الأدبية المتعددة والتي تتألف من ثلاثة أشكال من النصوص: النصوص الأدبية، بالمعنى الدقيق، وبالمعنى الأكثر اتساعاً لكلمة أدب، والنصوص النقدية كل ما يسمح بإعادة تركيب المنظر الأدبي، من هنا تأتي أهمية ما فوق النصوص)، ومرفقات النصوص مثل المقدمات، و والجدالات،...، وأخيراً النصوص الكامنة الممكنة أو النماذج التي ينتسب مجموعها إلى المنظومة المتعددة .‏ لكننا ركزنا بشكل كبير علي ثنائية  - الأدب العالمي مقابل الأدب الوضيع:‏                                                                                                       

لقد درسنا التعارض بين (الأدب الرسمي أو المعترف به)، والآداب المسماة (هامشية)، مادون الأدب، والأدب الموازي، نقيض الأدب، أو (الآداب المضادة)،  وقد سمح لنا هذا التمييز بتحديد الاصطلاحات، والقواعد، والنماذج المعمول بها، وهذا ما يعد من جهة أدباً، وتراثاً أدبياً، ومن جهة أخرى يدخل في نزاع مع هذه القواعد الجمالية، وحتى الأيديولوجية.‏ لأدب وموازي الأدب:‏

وبدلك أصبح بإمكاننا أن نأخذ أي جنس من الأدب الموازي، و نطبق عليه إشكالية مقارنية، فالميزة المصطنعة لعدد جيد من الروايات المسماة شعبية، أن تقود إلى دراسة الأنماط، وآليتها ضمن النصوص. بالطريقة نفسها، يمكن الشروع بقراءات للموضوعات، والدوافع، والميثولوجيا، والعثور فيها أيضاً على مجالات جديدة للتطبيق،  من الممكن أيضاً إقامة مقابلات بين جنس، وجنس آخر.

ب)الآدب الشفوي

وتجدر الاشارة أنه في هذه المادة لم نقف عند الأدب الشفوي بصفة عامة وإنما حددنا محور الدراسة في الثقافة الشعبية واشكالها وانواعها كخطاب له رواده وجمهوره الواسع وعلاقتها بالثقافة، وتبين من خلال الدراسة ان الدول المتقدمة إستفادت من ثراثها الشعبي وقد حاولنا في البداية الوقوف علي مفهوم الادب الشعبي والأسباب التي دفعت الدول الي رد الاعتبار الي الثقافة الشعبية ومن ثمة قد توصلنا إلي أن  السؤال عن الشعب قد أورده  الدارسين في القرن 18 الذي ازدهر فيه الإحساس بالفردية والإتجاه العقلاني في التفكير.

ومن هده الأسباب التي دفعت الدارسين إلى البحث عن مفهوم الشعبية فإنها تتمثل فيما يلي :

 1/- العامل العلمي :  عندما بدأ العلماء يهتمون بفلسفة التاريخ كان من الطبيعي أن يتساءلوا عن الروح الشعبية التي تفوق القوة الفردية في تأثيرها في التطور التاريخي .

2/- العامل الإجتماعي الوطني :  كان نتاجا لإعجاب المؤلفين والكتاب الرومانسيين بكل ماهو شعبي وقومي وتدل عبارة (ج ماير) على هذا الإعجاب حينما قال "لقد خلع الكتاب الرومانسيون معطف الشحاذين عن الشعب الألماني وألبسوه معاطف الملوك وتيجانهم"

إن الفترة الرومانسية وهي التي شعر فيها الباحثون بعقدة الذنب تجاه الشعب الذي أهمل طويلا، في دراستنا وأحاديثنا اليومية العامة.

يرى هوفمان كراير في بحث نشره عام 1902 أن كلمة الشعب تحتوي على مفهومين أحدهما سياسي يستخدم مصطلح الأمة والآخر اجتماعي أو حضاري يستعمل مصطلح الشعب ويعتقد هوفمان أن الدراسات ينبغي أن تهتم بالشعب صاحب المفهوم الحضاري

يعاني مصطلح (الشعبي) في الأصل غموضا والتباسا دلاليا إذا أخذنا بالحسبان تعدد المعاني Polysémie الذي يتميز به. إن المؤلفين والدارسين الذين يستخدمون مصطلح الأدب الشعبي لا يعطون جميعا الدلالة نفسها لكلمة (شعبي) بمعنى أن هذه الكلمة ذات قدرة على تقديم عدد وافر من الدلالات وبذلك تتضح مشكلة هذا المصطلح في كونه شكل التعارض بين ما هو عليه الواقع بكل أبعاده الإجتماعية والسياسية والجغرافية والتاريخية والثقافية وبين ما تتطلبه خصوصيات هذا الصنف من الأدب.

في دراساتنا  وأحاديثنا اليومية نستعمل مصطلح (الشعبي) فماذا نريد مثلا بقولنا : الأدب الشعبي، الثقافة الشعبية، المهرجان الشعبي، الثورة الشعبية، الأغنية الشعبية الخ... للإجابة هن هذه الأسئلة نقول في البداية أن القدامى من العرب والمسلمين كانت لهم فكرة وعند البعض منهم دراسات عن هذه المادة العريقة ولكنهم وظفوا مصطلحات أخرى للدلالة عليها، وقد ذكر ابن خلدون على سبيل المثال أن أهل أمصار المغرب يسمون القصائد بالأصمعيات نسبة إلى الأصمعى راوية العرب في اشعارهم وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع بالشعر البدوي، أو الشعر الهلالي كما استخدم صفى الدين الحلي مصطلح الأدب العاطل.

إن الموروث الشعبي في نظر المؤرخين الأوائل شيء يتصل بالعامة التي غالبا ما أعطيت أوصافا سلبية كالغوغاء أو الدهماء أو أنها – على تعبير إخوان الصفا – تضم النساء والصبية واللاحقين بهم في العقل من الرجال، فلقد شكل التضاد الثنائي بين الخاصة، العامة أحد المحاور الأساسية للرؤية العربية الإسلامية التي سادت المجال الإجتماعي والتاريخي المعروف منذ القدم، فالتقدم من شأن الخاصة وهو موجود في الحضر أما العامة فهم جهلاء ويمثلون عقبة في طريق الحضارة.

 إن هذا الفهم عن الخاصة والعامة موجود ايضا إلى حد كبير في كتابات الرحالة بل هو جزء من نظام الفكر الذي كان سائدا في عصورهم وخصوصا أن الدين الإسلامي يقر مسألة التراتيب الإجتماعية، إلا أننا نجد اختلافا في معايير التمايز بين الطبقتين، فبينما أوضح إخوان الصفا أن العقل (أو العقلانية) أساس للتنفرقة بين مراتب الناس رأى الجاحظ في التخصص في العمل والمعرفة معيارا للتراتب الإجتماعي في حين نظر ابن بطوطة إلى الخاصة والعامة من خلال ممارسات الحياة اليومية كالطعام والشراب والملبس والمراسيم و الاحتفالات.

وإذا كان مصطلح الأدب الشعبي متكون من ألفاظ عربية فإن مفهومه مستمد من الفولكلور الذي اقترحه وليام جون تومز سنة 1846 في حين نجد مصطلح (العامي) أعرق من حيث الإستعمال حيث ميز العرب القدماء المادة الحية التي جمعوها بأنها "الذائعة بين العوام" كما كان الكتاب أمثال الجاحظ  ومن عاصره يسمون هذه المادة أدب العامة، ويرجح الباحث التلي بن الشيخ أن تسمية الأدب العامي لا تخلو من تأثير سياسي ذلك أن هذا الوصف يوحي بأن وضع الطبقات الدنيا يختلف عن مكانة الخاصة، أن تسمية الأدب العامي لا تخلو كذلك من تأثير إجتماعي حيث إن بنية التركيب الإجتماعي قبل عصر النهضة الحديثة كانت قائمة على أساس طبقي يفاضل بين أنماط التعبير حسب الوضع الإجتماعي، وقد كان الأديب متأثرا بهذا الواقع ينظر إلى أدب العامة نظرة احتقار وازدراء. وقد كان أحد الأدباء إذا استهجن شيئا قال "هذا من سقط العامة" أو "عقيدة العامة كذا" و"ذلك من سفاف العامة" أو "من أباطيل العوام وأوهامهم" و"هذا ما لم تستطع أن ترتفع إليه العامة".

ج) آداب الرحلات

في خضم أدب الرحلات تتعدد الموضوعات ، وتتنوع أغراض الرحلات وأشكالها، ويحصل الاختلاف أو الائتلاف بين الشكل والمضمون ، حيث يتموضع أدب الرحلات بين الخيال والواقع وقد تكون الرحلات حقيقية دينية كالرحلة السماوية الأولى من الجنة إلى

وقد تكون الرحلات علمية و جغرافية كرحلة ابن بطوطة و رحلة السندباد البحري فهذه الرحلات المقيدة بقيد الزمان و المكان فضلاً عن الإدراك الحسي الذي تميزت به من وصفٍ لأقوام محسوسين و جغرافية أوطانهم و طبائعهم وتكويناتهم الجسمانية والنفسية والاجتماعية وسلوكياتهم الحياتية . وقد تكون خيالية أو خارقة للعادة معبرة عن الإحساس الداخلي فهي فوق مقدرة الناس العاديين على إدراكها بحواسهم فصلاً عن إدراكها بخيالهمً ، فتكون معجزةً محيرةً لهم وفي هدا الاطار فاننا ندرس في هذا الفصل رحلتين من نوع خاص في اطار دراسة مقارنة تطبيقية لذلك كانت مادة غنية بالمعرفة علي مستويين نعتقد انهما مهمين علي درجة كبيرة علي المستوي الثراثي من جهة حيث اننا وقفنا عند هرم من أهرام الفلسفة العربية وكذلك الانفتاح علي الاخر بعتباره يشكل محورا رئيسيا داخل الادب المقارن وقد انطلقنا في البداية من مجموعة من التمثلات الشائعة حول علاقة الكوميديا الالهية برسالة الغفران والتي مفادها ان دانتي نسج الكوميديا الالهية علي ضوء رسالة الغفران ثم انتقلنا بعد ذلك الي بناء مجموعة من الفرضيات العلمية من قبيل هل يمكن القول ان المعري أول من اكتشف وصف العالم الاخر انطلاقا من رحلة عجائبية؟ والي أي حد يمكن القول ان دانتي قد توصل برسالة الغفران؟ وماهي أوجه التشابه والاختلاف بين هده النصوص من حيث المبني والمعني؟ ولتفنيذ هده النظريات  او تثبيتها احتكمنا الي النصوص انطلاقا من مقاربة موضوعاتية حيث حاولنا الوقوف علي بعض الموضوعات المشتركة بين النصين ثم اعتمدنا علي المقاربة التناصية لتفنيد ما ادعاه لإسبانيّ (ميجويل آسين بلاثيوس) الذي أعلن في كتابه المشهور (فكرة الحشر والنّشر الإسلاميّة في الكوميديا الإلهيّة لدانتي) أنّ للكوميديا الإلهيّة جذور إسلاميّة واضحة وبيّنة، بل تكاد في بعض أجزئها تقوم في نسجه علي رسالة الغفران للمعري لكن من خلال الدراسة تبث أنه وان كان دانتي قد تأثر ببعض المصادر الاسلامية للكوميديا الإلهيّة تتعلّق خصوصاً بكتاب المعراج وبالمجموعة الطُّليطليّة، وبسائر الأخبار الأوروبيّة عن الأخرويّات الإسلاميّة، أي أنّ المسألة تتعلّق بكتب عربيّة غير علميّة دخلت في الثّروة الثّقافيّة لأوروبا في القرنين الثّاني عشر والثّالث عشر فانه من الصعب الأخذ بموقف اسين بلاثيوس و لكن لا يمكن القول  إنّ دانتي لم يطّلع على الثّقافة الإسلاميّة، ولم يستفد منها  لانه ليس في مصلحة دانتي ، كما أنّ التّمسّك بالأمل بألاّ يستطيع أحدٌ أبداً البرهنة على أنّ العلوم الإسلاميّة كانت معروفة في أوروبا بوجه عام، وفي إيطاليا بوجه خاص في زمن دانتي ليس ممّا يخدم عظمة دانتي. خاصة وان أوّل ترجمةٍ عن المعراج قد ظهرت عام 1264م أي قبل ولادة دانتي بسنةٍ واحدة، وهي سنة 1265م، والكوميديا الإلهيّة على حسب ما هو مرجّح ألّفت ما بين 1302م، 1315م، وجميع الوثائق تشهد أنّ في هذه الحقبة كانت هناك ثلاث ترجمات للمعراج، واحدة باللّهجة القشتاليّة المسمّى الكسلافيّة، والثّانية بالفرنسيّة، والثّالثة باللاّتينيّة، وكلّها كانت منتشرة في أُوروبا اما بخصوص فرضية كون المعري اول من وصف العالم الاخروي فان هده الفرضية تبدو مغلوطة لانه ثبت ان هناك امم اخري قد سبقته لدلك خاصة اليونانية والرومانية وغيرها من الامم التي تفننت في وصف العالم الاخروي وبناء علي المقاربة التناصية تبين ان هناك نوع من التشابهات الجزئية من قبيل لقاء ابن القارح بآدم عليه السّلام في الجنّة؛ حيث نرى أنّ موضوع الحديث الرّئيسيّ بينهما هو اللّغة الفطريّة الأولى التّي كان يتحدّث بها أبو البشر؛ فيقول آدم: "إنّما كنتُ أتكلّم بالعربيّة وأنا في الجنّة، فلمّا هبطتُ إلى الأرض نُقل لساني إلى السّريانيّة فلم أنطق بغيرها إلى أن هلكتُ. فلمّا ردّني اللّه سبحانه إلى الجنّة عادت عليّ العربيّة" كذلك يلتقي دانتي في السّماء الثّامنة بآدم، حيث يكون موضوع الحوار الرّئيسيّ بينهما هو أيضاً اللّغة التّي كان يتحدّث بها أبو البشر خلال إقامته في جنّة الأرض. هذا مع اختلاف اللّغات التّي ذكرها المعرّي بطبيعة الحال    وعندما يعود ابن القارح من الجحيم تلقاه الحوريّة المكلّفة بخدمته، فتلومه برقّة على تأخّره، وتصحبه في نزهةٍ في حدائق الجنان. وهذا نفس ما تفعله الحسناء (ماتيلدى) مع دانتي حيث تلقاه باسمةً عاتبةً عند دخوله غابة الفردوس الأرضيّ، وتجيب على أسئلته بلطفٍ ومهارة، ويمضي في نزهته معها حتّى تقع عيناه على كوكبةٍ من الحسان اللاّتي يحطن بحبيبته (بياتريس) وهي تهبط من السّماء للقائه، كما وقعت عينا ابن القارح من قبله على كوكبةٍ مماثلةٍ من الحوريّات وهنّ يُحطنَ بحبيبة امرئ القيس التّي خلّد ذكرها في شعره ولكن اذا تعمقنا في المقارنة نجد أن هناك العديد من الاختلافات تجعلنا الحكم جزما بانه ليست هناك علاقة بين الكوميديا الالهية خاصة علي مستوي البناء والشكل حيث ان رسالة أبي العلاء تبدأ بنهوض ابن القارح من القبر تلبيةً لنافخ الصّور، كما لبّى سكّان القبور نافخ الصّور، والفصل فصل عراك وكفاح لهذا الرّجل الذّي يريد منه أن ينتهي إلى الجنّة بعد الشّفاعة والمغفرة. وفي الجنّة يجتمع إلى أهلها وبعض سكّانها، ثمّ يعرّج على النّار، فيتحدّث إلى من لم تشملهم المغفرة

وأمّا في الكوميديا الإلهيّة فتبدأ الرّحلة في ظلال الشّاعر نفسه في غابة مظلمة لا نور فيها. ولولا أنّه أتاه دليل من ذلك العالم هو الشّاعر (فرجيل) لكان نصيبه الهلاك الأبديّ، فيزوران معاً جهنّم التّي امتلأت بالأثمة والمغضوب عليهم، ثمّ ينتهيان إلى الأعراف أو المَطْهر، ثمّ يُنعِم اللّه عليهما بدخول الجنّة، وتذوّق طوباها.وهناك اختلاف اخر يبدو جوهريا خاصة فيما يتعلق بالبناء حيث أنّ الكوميديا متناسقة البناء، مترابطة الأجزاء، يعتمد فيها السّابق على اللاّحق، وقد جعل دانتي الإنسان فيها مع الدّنيا والآخرة والعالم واللّه في بؤرةٍ واحدة، كما ألغى فوارق الزّمان والمكان، ومزج بين الأسطورة والتّاريخ، وبين الواقع والخيال.علي العكس من ذلك  فرسالة الغفران رسالة نثريّة أفسد من جمالها الغلوّ اللّغويّ، والبحث النّحويّ، وشيء من التّكلّف، وهي تعتمد على اقتباسٍ كثير، واستشهادٍ كثير

"واصطناع الأسلوب القصصيّ التّعليميّ الفكه محمولاً على الخيال المبدع والسّخرية اللاّذعة، والاستقصاء الأدبيّ الجامع، هو أسلوبه في رسالة الغفران" ، وهو "يؤثّر الصّعوبة والمتانة والتّعمق اللّغويّ والسّجع ولزوم ما يلزم، والتّفننّ اللّفظي والمعنويّ، وحشد المعرفة والتّعقيد اللّغوي هو الميزة الأسلوبيّة للمعرّي في رسالته، وهذا ليس بالجديد عليه، فهو يُعدّ زعيم مذهب التّصنّع في زمنه  في إزاء عصرٍ شهد تطوّراً حضاريّاً، "وغدت الكتابة فيه -كسائر فنون العصر- معقّدة في قواعدها وأساليبها". ولعلّ التّعقيد له أكثر من مسوّغ في أدب المعرّي، فهو من جهةٍ حبيس بيته لخمسين سنة، فماذا يفعل في خلال ذلك؟ "سوى الفزع إلى ضروب العبث في فنّه، وإنّها لضروبٌ تؤدّيه إلى التّعقيد اللّغوي كما أنّ هذا التّعقيد ضربٌ من ضروب بحثه عن طريقٍ تجعله يتفوّق على معاصريه (60)، كما أنّ ثقافته الواسعة واطّلاعه على الغريب والشّاذ، وتعمّقه في النّحو واللّغة جعلته يجنح إلى توظيف ذلك الرّصيد الضّخم في كتابه (61)، وما يجده غيره غريباً، قد يجده المعرّي "غير غريب بالنّسبة إلى زمانه وإلى من كتب إليه؛ لأنّ التّاريخ لم يحدّثنا أنّ أحداً طلب من أبي العلاء أن يفسّر له شيئاً من كلامهويذهب سليم الجندي إلى أنّ التّعقيد في اللّغة عند المعرّي قد يكون توجّهاً مقصوداً؛ "ليستر تحته ما يريد من غمرٍ أو تهكّم أو سخرية

"وفي رسالة الغفران معرض نادر الصّور في التّاريخ الفكريّ للسّخرية العقلية من العقول المرقّعة، والسّخرية جسر ممتدّ بين الواقع والمفترض، وبين المكانيّ الموحل، والزّمنيّ المصعّد"  ولا شكّ أنّ هذه السّخرية هي مظهر من مظاهر النّقد التّي يسلك بها طريقاً خفيّةً وباطنةً؛ ليتجلّى موقفه من كثيرٍ من الأمور. "ذلك أنّ أبا العلاء يسلك في هذه الرّسالة إلى النّقد مسلكاً خفيّاً، لا تكاد تبلغه الظّنون". وفي كثيرٍ من أحداث الرّسالة نجد سهام سخرية أبي العلاء موجّهةً نحو الأدباء؛ "ولعلّ المعرّي أراد أن يسخر من عالم الأدباء في رسالته، وقد أصاب ذلك إصابةً محكمة" وهذه السّخرية امتدّت لتشمل بطل القصّة ابن القارح، فنراه يدخل الجنّة على ظهر جاريّةٍ فاطميّة، وفي مكانٍ آخر يحاول أن يستجلب رضى سادن الجنّة بالنّفاق، وبنظم قصيدةٍ في مدحه.

ولعلّ أبا العلاء أراد من ذلك أن يعرّض بالحياة التّي كان يحياها ابن القارح، وبتملّقه للحكّام، وباستغراقه في أصناف المتع الحسّيّة

وفي كلِّ الرّسالة كان المعرّي مستطرداً استطراداً متشعّباً "يغلب عليه طابع السّجع ويصعب معه على القارئ أن يتابع تسلسل الأفكار وتطوّرها؛ لأنّ أبا العلاء في رسالته يخلط كثراً من المسائل بقضايا لغويّة، وشروح متعدّدة، يعرض بها آراءه على لسان من يستحضرهم من الشّعراء للاستجواب في محكمته الأدبيّة المتنوّعة الأغراض والأهدافولعلّ المعرّي أراد من الاستطراد التّعمية على أفكاره، وتلوينها لدفع السّأم الحاصل من كثرتها، ولعلّه استجابةً غير واعية لثقافةٍ غزيرة، أو بسبب إملائه لفقدان بصره  أمّا الشّعر فقد كان حاضراً في الرّسالة وهو يؤدّي أدواراً مهمّة في نسيج العمل، فمن جهةٍ يقوم بوظيفةٍ استعراضيّة للبطل تدعيماً لبطولته القصصيّة، وإثباتاً لتميّزه عن الأدباء الآخرين من أهل الجنّة. كما أنّه مولّد للسّرد داخل كل المشاهد التّي قام عليها النّص كما انّه يستخدم للتّسلية واللّهو في مجالس الجنّة

والحقيقة أنّ تنوّع الأساليب وتداخلها ضمن النّسيج السّرديّ، جعل الكثير يحار في تجنيس الرّسالة، ففي حين اتّفق الجُلُّ على أنّها ليست رسالة بالمعنى الاصطلاحيّ، عدّها البعض قصّة ، في حين عدّها آخرون شكلاً من أشكال الرّواية  ونزعت طائفةٌ ثالثة إلى إدراجها تحت فنّ المسرحيّة بسبب غناها بالحوار، والتّقسيمات إلى مشاهد

خلاصة  تركيبية للوحدة

بناءا علي ما سبق يتضح ان هده الوحدة تتميز بمجموعة من الخصائص التي توحدها داخل الادب المقارن والتي تمكن الطالب من  الحصول علي عدة منهجية مقارنة  كالمقاربة التناصية التي تعد من المناهج  التي  تمكننا من الاشتغال في حقول متعددة سواء داخل الآداب الرسمية أو الغير الرسمية ،وهي ميزة من مميزات الأدب المقارن، وفي دراستنا للآداب (الغير الرسمية) كالثقافة الشعبية وأدب الرحلات و حاولنا التركيز  علي الدراسة التي تتم وفق معايير علمية للآداب الغير معترف بها من طرف المؤسسة الرسمية ،والتي ظلت خاضعة لنوع من التهميش في رفوف المكتبات العربية لقرون ك ألف ليلة وليلة مثلا باعتباره نص مجهول الهوية و التي حاولت الثقافة العربية تجاهله علي  الرغم من أنه يتوفر علي كل مقومات جمالية شكلت كنز بالنسبة للأربيين

الوحدة الثانية

نقد النقد

1)    جمالية النص

2)    أفق الانتظار

3)    نظريات مابعد الاستعمار

أما بالنسبة  لهذه الوحدة تطرقنا لمجموعة من النظريات التي شكلت محور النقد الحديث وما بعد الحداثة كنظرية التلقي حيث تتبعنا مسار هده النظرية مند النشأة وأصولها إلي أن تطورت واكتملت مع ياوس وايزر ولم نقف عند هذا الحد بل تتبعن أصولها في العالم العربي أما نظرية ما بعد الاستعمار التي تنضوي علي نظريات شكلت محور الفكر الما بعد حداثي كالنظرية الافريقية والنظرية الهندية التي تدخل ضمن نظريات ما بعد الاستعمار, أما بخصوص جمالية النص حاولنا تأطير مفهوم الجمال عند مجموعة من الفلاسفة حسب الاتجاهات الفكرية الحديثة وقد تداخلت هده المواد في كونها متقاربة من حيث الموضوع الذي هو نقد النقد حيث ان هده النظريات حاولت نقد النظريات التقليدية السائدة في اروبا والمبنية اساسا علي تهميش المستعمرات وترسيخ ثنائية العبد  و السيد والمركز والهامش

أ)مفهوم الجمال حسب الاتجاهات الفكرية الحديثة الموضوعي الحداثي      
المفهوم الاول- علم الجمال 
الاستطيقا, علم الجمال (aesthetics): كان هذا العلم أحد فروع الفلسفة وبحث في فلسفة الجمال متمثلاً في الفن, و القيم الفنية التي تحكم التعبير الفني و تثير في الأفراد الإحساس بالجمال. وانقسم الفلاسفة فيه الى اتجاهين: أحدهما يجعل الجمال موضوعياً كائناً في الشيء الجميل نفسه, و الآخر يجعله مرهوناً بالإدراك الذاتي عند الشخص المدرك
اتجاهات علم الجمال
إن تعدد الآراء والمذاهب الفلسفية أوجب تصنيف هذه الرؤى الجمالية، لأن البعض لاحظوا استحالة وجود قاعدة عامة تحدد بواسطتها المقاييس لما هو جميل وإن من العبث إيجاد مبدأ ذوقي يعطينا مقياساً عاماً للجمال لأن ما نحاول إيجاده مستحيل ومتناقض لذاته والبعض الآخر حدد بعض المقاييس للجمال.
فلاحظ هيوم أن الجمال في انتظام الأجزاء وتفاعلها على نحو يجعل الجميل يبعث الروح والسرور في نفس المتلقي وإن اللذة والألم لا يصحبان بصورة لازمة الجمال والقبح وحسب بل إنهما يؤلفان ذات الجمال والقبح.
لذلك فإن موضوع الجمال وطبيعته آثار خلاف المفكرين الذين انقسموا إلى أتجاهين:
1
ـ الاتجاه الذاتي: وسموا بأنصار المذهب الذاتي لعلم الجمال.
2
ـ الاتجاه الموضوعي: وسموا بأنصار المذهب الموضوعي لعلم الجمال.
1
ـ الاتجاه الذاتي: كان من أبرز رواده كانط الذي اعتبر أن الحكم على الجمال حكم ذاتي ويتغير من شخص لآخر معتبراً مصدر الشعور بالجمال هو فينا، في مزاج الروح وليس في الطبيعة وإن جمال الشيء لا علاقة له بطبيعة الشيء وإن المحاكمة الجمالية تنبع من الاندماج الحر للفكر وقوة الخيال. وبفضل هارمونية قدرات المعرفة ننسب الموضوع إلى الذات وفيها يكمن أساس الشعور بالرضى الذي نحسه من الأشياء التي هي سبب إعجابنا. فأنصار هذا المذهب ينكرون الجمال المستقل للأشياء وللطبيعة ويعتقدون أن الجمال الوحيد ( لا يوجد إلا فينا وبنا ومن أجلنا ) ويرجعون جمال الأشياء إلى الطريقة التي نتصورها في فكرنا ، فالجمال ليس سوى ظاهرة نفسية ذاتية وإن الشيء يكون جميلاً عندما نراه بعين احترفت الرؤية.
ومن علماء هذا الاتجاه :
ـ هيغل ( إن الجمال فى الطبيعة لا يظهر إلا كانعكاس للجمال الذهني ) .
ـ فيكتور باش ( إننا حين نتأمل الأشياء نطفي عليها روحاً من صميم حياتنا وإننا لا نستجمل العالم وكائناته إلا بمقدار ما في نفسنا من جمال.
2
ـ الاتجاه الموضوعي:
أنصار هذا المذهب قاموا بنقض جميع آراء الذاتيين لأنها لا تتعلق مع ا لمبادئ الأفلاطونية للجمال حسب وجهة نظرهم فالذاتيين أهملوا وجود العنصر أو العامل الموضوعي الذي هو موجود في جميع الأشياء الجميلة ومشترك بينها ويظل موجوداً ومشتركاً سواء كان هناك من يقدر هذه الأشياء أو لم يكن يقدر. حيث يعتبر أنصار هذا المذهب أن الجمال مستقل قائم بحد ذاته وموجود خارج النفس وهي ظاهرة موضوعية مما يؤكد تحرر مفهوم الجمال من التأثر بالمزاج الشخصي وأن للأشياء الجميلة خصوصيات مستقلة كلياً عن العقل الذي يدركها، فالجميل جميل سواء توفر من يتذوق هذا الجمال أو لم يوجد ومن علماء هذا الاتجاه :
ـ ديموقراط ( للجمال أساساً موضوعياً في العالم)
ـ غوته ( للإبداع الفني قوانين موضوعية )
يلاحظ إن هذا التنوع وكثرة الآراء الجمالية تعطي لعلم الجمال القوة الجدلية للاستمرار وتعطيها القوة للتغلغل في صلب نسيجنا الاجتماعي ، فعلم الجمال يقوم بتحضير إنسان المستقبل ، وإن علم الجمال هو الذي يؤكد وسيؤكد انتصار الإنسان بآثاره الفنية الخالدة على الفناء والعدم والقبح. والواقع إن تفسير الفن ظل بوجه التقريب يمثل إلى الآن في ربطه بسائر الوظائف الحيادية جمالياً إما لدى الفرد وإما لدى المجتمع فالفن شكل من أشكال نشاط الإنسان في سبيل المعرفة ، معطياً إياه القدرة على التغيير.
أن لكل إنسان رؤية وردود فعل حول الجمال كمفهوم، والجمال كانطباع تجاه أشياء مادية وروحية مختلفة يتذوق جمالها عقلياً، تترك في نفسه إحساساً بالبهجة والارتباك والنشوى والدهشة. فهو المقياس، الذي يحدد جمال المادة، التي تترك لدى المتلقي، الانطباع والإحساس بالبهجة، سواء كان عن طريق التأمل العقلي أو السمع أو النظر أو التذوق .ولكي يكون لدى كل إنسان إحساساً جمالياً راقياً، يتطلّب تربية للذوق الفني والجمالي لدى الإنسان أما في تعريف علم الجمال معجميا، نجد أن تعريف قاموس "ويبستر" لعلم الجمال هو أكثر دقة من بعض التعاريف الأخرى، وهو " المجال الذي يتعامل مع وصف الظواهر الفنية والخبرة الجمالية وتفسيرها". لكن المفهوم المفضل عن مصطلح علم الجمال هو ذلك المفهوم المستنبط من نظرية الفيلسوف "بيردسلي" والذي يرى أن علم جمال هو علم بيني تقوم من خلاله فروع معرفية عدة- كل بطريقته ومناهجه ومفاهيمه الخاصة - بدراسة تلك المنطقة المشتركة المتعلقة بالخبرة أو الاستجابة الجمالية، بكل ما تشتمل عليه هذه الخبرة أو الاستجابة من جوانب حسية وادراكية وانفعالية ومعرفية واجتماعية.
لابد قبل الخوض في ماهية علم الجمال والجمال والفن، أن نعرج على الإنسان الذي يعتبر المركز الأوحد للإحساس بالجمال والمدرك الوحيد له. كان الناس منذ بدء الخليقة يرهقون التفكير على الدوام بمعضلة ماذا يعني أن يكون الكائن الحي إنساناً وفيما يتمثل مغزى وجوده على الأرض. إن الإنسان كما عرفه الإغريق أنه أعجب العجائب وهو مركز الكون مما دفع علماء الاجتماع للوصول إلى صيغة جامعة تعرف الإنسان وتميزه عن باقي الكائنات الحية. وحددت علاقات ثلاث في تعريف الإنسان وإن الكائن البشري إذا فقد إحدى هذه العلاقات يخرج عن كونه إنساناً ذو قيمة ولا يمكن أن يخطو خطوات جادة في تعظيم الإرث البشري الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الجمالي وهذه العلاقات هي :
العلاقة المعرفية والعلاقة الأخلاقية. والعلاقة الجمالية يتسم الإنسان للوهلة الأولى بنفس الاحتياجات التي تلازم أي كائن حي آخر، فهو ملزم بأن يأكل ويشرب ويحمي نفسه من البرد والحر ومن هجمات الأعداء وأن يحافظ على نسله، غير إنه يلبي هذه الاحتياجات بطريقة تختلف عن سلوك الحيوان. أما الحيوان فمهما قام من أفعال معقدة تشبه للوهلة الأولى أفعال الإنسان يبقى على الدوام خاضعاً لتأثير احتياجاته البيولوجية المباشرة. فالشيء الذي لا يمس أسس نشاط الحيوان ا لحياتية يبقى وكأنه غير موجود بالنسبة له. فإن الكائنات الحية غير الإنسان ليس من سجاياها معرفة العالم بحد ذاته أي ( العلاقة المعرفية ) والتمتع بجمال العالم وشموخ الجبال وبصفاء السماء وخضرة الغابات ونقاء الأنهار ، لا يشكل أي شيء ذو قيمة بالنسبة للحيوان لهذا فهو لا يكترث بالعلاقة الجمالية. وليس من سجايا الحيوان أيضاً القدرة على أن يضع نفسه في محل سواه أي أن يضحي بنفسه وينكر ذاته من أجل باقي الحيوانات من بني جنسه لهذا فهو يفتقر للعلاقة الأخلاقية التي تتمثل في الخير.
يقول نيتشه ( إن النمر يعرف جيداً كيف يجب أن يكون نمراً ، والعنكبوت يحيا مثلما تحيا العناكب والسنونو تطبعت بالطباع التي تليق بالسنونو، سوى الإنسان وحده ملزم بأن يتعلم كيف يجب أن يكون إنساناً ) ويلاحظ أن السعي إلى الحقيقة المطلقة والحاجة إلى الجمال والتعطش إلى الخير من أبرز وأهم مواصفات الإنسان الجاري تناوله من جانب حياته الروحية والمادية. ولكننا إذا اقتصرنا على تعريف جوهر الإنسان باعتباره متحلياً بالحقيقة المطلقة والخير والجمال، فسوف نصطدم بقدر جم من التناقضات لأن فهم هذا الثالوث ، يختلف باختلاف المجتمعات والعصور التاريخية.
إن جوهر الإنسان ليس مجرداً يتسم به فرد بعينه إنما هو في واقعه مجموع العلاقات الاجتماعية كافية . بهذا التعريف المقتضب للإنسان الذي أرهق الكثير من العلماء الاجتماع والنفس وكان حصيلة تطور الفكر البشري ونتيجة دراسات معمقة ومختصة في مجال دراسة الإنسان والمجتمع.
نأتي الآن إلى الجمال وعلمه. هل للجمال علم وما هو موضوعه وما هي بحوثه وكيف ينصف بين العلوم وهل هو حديث الولادة أم أن له أساس تمتد جذوره في أعماق الفكر البشري وما هي فوائد علم الجمال و...الخ. هذه الأسئلة وسواها تغزوا عقل كل من يرهق تفكيره في هذا العلم وغيره من العلوم.
يعرف علم الجمال (AESTHIK) بالألمانية و ( ESTHETIQUE ) بالفرنسية
و ( AESTHETICS ) بالإنكليزية و ( ESTETICA ) بالإيطالية و ..الخ.
انه علم الأحكام التقويمية التي تميز بين( الجميل والقبيح ) ( معجم لالاند ) وهذا هو التعريف الكلاسيكي للفظ الاستيطقا . وإن لفظ الأستيطقا (علم الجمال) يعود في أصله إلى اليونانية فهو مشتق من ( AISTHESIS ) التي تعني ( الإحساس ) ويفيد معناها الاشتقاقي ( نظرية الإحساس ) ويتضمن الإدراك الحسي وإنها تعني باليونانية في وقت واحد :
1
ـ المعرفة الحسية أو (الإدراك الحسي)
2
ـ المظهر المحسوس لإدراكنا والصورة الأولية لحساسيتنا.
إن أول من دعا إلى إيجاد هذا العلم وجعل لفظ الاستيطقا  كإسم  لعلم الجمال هو( الكسندر بومجارتن A.G.BAUMGARREN - 1714 م – 1762 م) وذلك في كتاب ( تأملات فلسفلية في موضوعات تتعلق بالشعر ) وقد قصد بومجارتن إلى ربط تقويم الفنون بالمعرفة الحسية مما جعله يعد كمؤسس لهذا العلم.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الاستيطقا من الكلمات التي جرت على الألسنة حتى أن الشاعر جان بول JENPAUL قال سنة 1804 م ( إن زماننا لا يعج بشيء بقدر ما يعج بعلماء الجمال ) لكن موضوع هذا العلم وهو الجميل والجمال والقبح كان مطروقاً منذ عهد اليونان كأفكار متفرقة عند أفلاطون وأرسطو وكزينوقراط وفي عهد الرومان أيضاً مثل أفلاطون وشيرون ..الخ.
تصنيف علم الجمال
يصنف التفكير الفلسفي العلوم ، بعلوم وضعية وعلوم معيارية 
1
ـ العلوم الوضعية: وتهتم بدورها في دراسة:
ـ الظواهر الطبيعية .
ـ تعتمد على طرق تجريبية .
ـ تستنتج قوانين وأحكاماً تقريرية.
ـ تهتم بدراسة الكائن وتختص بالوقائع.
2
ـ العلوم المعيارية: وهي العلوم التي تتميز باستعانتها بالعقل.
ـ تتجاوز الوقائع الجزئية إلى البحث فيما ينبغي عليه أن تكون.
ـ تصدر أحكاماً قيمية وتصوغ القواعد أو المعايير، وتدرس العلوم المعيارية القيم الإنسانية الثلاث ( الحق ـ الخير ـ الجمال)
فإذا كان علم المنطق يضع القواعد والأسس التي تحاول تحديد العقل من الوقوع في الخطأ ويبحث فيما ينبغي أن يكون عليه التفكير السليم.
وإذا كان علم الأخلاق يضع المثل العليا التي ينبغي أن يسير الإنسان في سلوكه بمقتضاها أي كيف يجب أن تكون تصرفات الإنسان فإن علم الجمال يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه شيء الجميل ويضع معايير يمكن أن يقاس بها. إن الجمال يقربنا من جوهرنا الإنساني أكثر ويجعلنا أرقى اجتماعياً وأكثر نفعاً ويقوي من إدراكنا للواقع المحيط ويمدنا بأدوات يمكن عن طريقها أن نفسر ماهية الحياة بل وحتى أكثر من ذلك باعتبار إحدى أدوات المعرفة يعطينا القدرة على لعب دور مؤثر في التحكم باليات التغير.

ب)نظرية التلقي

لقد تطورت نظرية التلقي على يد منظرين مثل هانز روبرت جوس ولفنجانج أيزر، وكلاهما أستاذ بجامعة كونستانس في ألمانيا، إن خطا متوازياً يمكن أن يوجد بين نظرية المنفعة والبهجة Uses and gratification ونظرية التلقي Reception theory، حيث طور بعض منظري وسائل الإعلام الجماهيرية مفهوم المنفعة والبهجة، الذي لا يركز – فحسب – على تأثير وسائل الإعلام على الأفراد بل أيضاً على طريقة الاستخدام لهذه الوسائل وعلى المتعة التي يحصلون عليها من هذه الوسائل. وعلى نحو غامض أيضاً يذهب أصحاب نظرية التلقي في ذلك الأمر حين يركزون على الدور الذي يلعبه الجمهور المتلقي، حيث يفضون النصوص decoders of texts في نظام الأشياء لا على النصوص ذاتها، وذلك على نحو ما ذهب إليه lsar (72/1988) حين كتب يقول:

عند التفكير في العمل الأدبي، تركز النظرية الفينومينولوجية تركيزاً تاماً على الفكرة، التي تقول إن على المرء ألا يدخل في اعتباره النص الفعلي فحسب، بل كذلك – وبنفس القدر – يهتم بالأفعال المتضمنة في الاستجابة للنص، ولذلك يتصدى رومان إنجاردن لبنية النص الأدبي بالطرق التي يمكن بها أن يتحقق هذا النص. فالنص في ذاته يقدم زوايا تخطيطية Schematized views من خلالها يمكن للنص أن يتكشف ويتبدى، إلا ان الحضور الفعلي لا يتم إلا في فعل التحقق Konkretisation.

ومن ثم فإن lser يلمح من ذلك إلى أن الجمهور المتلقي – في حالة عمل محدد مثل الرواية هو القراء – يلعب دوراً مهماً فيما يمكن أن نسميه (تحقق النص realiza – tion).

فقد قام lsar بعمل تمييز بين قطبين: الأول فني ويشير إلى العمل الذي أبدعه الفنان، والآخر إستطيقي ويشير إلى العمل الذي يتم بواسطة القارئ (المتلقي)، ويبسط هذه بقوله:

(إذا كان الأمر كذلك، فإن للعمل الفني – إذن قطبين، هما ما ينبغي أن نسميهما الفني artistic والإستطيقي aesthwtic: الفني يشير إلى النص الذي يبدعه المؤلف والإستطيقي يشير إلى التحقق الجمالي الذي ينجزه القارئ وينتج عن ذلك الاستقطاب أن العمل الأدبي لا يتطابق مع النص، أو مع تحقق النص، وإنما هو يقع في منتصف الطريق بين القطبين فالعمل الأدبي لا يزيد شيئاً على النص، ذلك لأن النص لا تدب فيه الحياة إلا عندما يكون موضوعاً للإدراك. ناهيك عن أن هذا التحقق له لا يكون غير مستقل البتة عن موقف القارئ وإن كان ذلك بدوره يتأثر بالأنماط المتغايرة للنص.

فبمعنى من المعاني لا يكون للأعمال الأدبية وجوداً إلا متى كانت موضوعاً لإدراك قارئ. (وقد يرد إلى الذهن شعار باركلي القائل: الموجود هو المدرك to be is to bo perceived) فالنصوص حقيقة افتراضية virtuel Reality، أو كامنة وهي لا تتحقق تحققاً فعلياً إلا متى قام قارئ أو جمهور متلقي بقراءة أو رؤية أو سماع ذلك النص.

في عام 1968 ذهب إنجاردن إلى انه لو قمنا بدفع الأمور بقدر كافٍ، فإن القارئ له إسهام مكافئ في الأهمية في إدراك النصوص. وعلى ذلك فإن العالم قد ينقلب رأساً على عقب بقدر اهتمامنا بإبداع المؤلف authorship، لأن النصوص لا يكون في مقدورها مواصلة التبدي والحدوث بذاتها، كما لم يعد في مقدور الفنانين والمؤلفين – الذين منحوا هذه النصوص الوجود – أن يدعوا الامتلاك الأحادي، إن جاز التعبير، لمعنى نصوصهم. فإن نحن قمنا بترجمة هذه الفكرة إلى مصطلحات نظرية الاتصال، فيمكن أن يصبح المتلقي في هذه الحال مساوياً، أو مكافئاً في الأهمية لمرسل الرسالة.

نظرية الاتصال تؤكد على أننا يجب أن نكون أصحاب امتياز، وأن نعطي أهمية ملائمة للنص، كما يجب أن نأخذ في اعتبارنا دور القارئ (1984 Eco) ونهج القراء المختلفين (أو المشاهدين في حالة الوسائل المرئية) في تفسير النصوص.

فبمعنى ما من المعاني أن النصوص لا يكون لها وجود أو بالأحرى لا يخلع عليها الوجود إلا بواسطة القراء. فالعديد من المؤلفين لا يستحبون الفكرة التي تذهب إلى القول بأن أعمالهم – كما في حكاية سندريلا – لا تدب فيها الحياة إلا بقبلة قارئ / فتنة أمير، ولكن lsar وآخرين من منظري التلقي يقبلون بوجهة النظر هذه.

منهج التلقي

لقد عرف النقد العربي الحديث والمعاصر مجموعة من المناهج النقدية نتيجة الانفتاح على الثقافة الغربية (ترجمة واطلاعا وتعلما) كالمنهج النفسي الذي يحلل النص الأدبي من الوجهة الشعورية واللاشعورية، والمنهج الاجتماعي الذي ينظر إلى الأدب على أنه مرآة تعكس الواقع بطريقة مباشرة قائمة على المحاكاة الحرفية أو الجدلية، والمنهج البنيوي التكويني الذي يعتبر الأدب بنية جمالية مستقلة تعكس الواقع بمختلف مستوياته السوسيوتاريخية والثقافية والسياسية والاقتصادية بطريقة غير مباشرة أو عبر التماثل.  

أما المنهج البنيوي اللساني فينظر إلى النص الأدبي على أنه بنية مغلقة أو نسق من العناصر اللغوية القائمة على علاقات اختلافية أو ائتلافية، بينما المنهج السيميائي فيقوم على التفكيك والبناء من خلال دراسة النص باعتباره نظاما من العلامات اللغوية وغير اللغوية. ولكن منهج التلقي والتقبل يركز على القارئ أثناء تفاعله مع النص الأدبي قصد تأويله وخلق صورة معناه المتخيلة. إذا، ماهي نظرة التلقي والتقبل؟ ومن هم روادها؟ وما هي مرجعياتها الأبستمولوجية والفلسفية والأدبية؟ وماهي مرتكزاتها المنهجية؟ وما هي تطبيقاتها في الساحة النقدية العربية؟

ظهرت نظرية التأثير والتقبل في ألمانيا في أواسط الستينيات (1966م) في إطار مدرسة كونسطانس وبرلين الشرقية قبل ظهور التفكيكية ومدارس مابعد الحداثة على يدي كل من فولفغانغ إيزرWolfgang Iser (1) وهانز روبير ياوسHans Robert Jauss (2) . ومنظور هذه النظرية أنها تثور على المناهج الخارجية التي ركزت كثيرا على المرجع الواقعي كالنظرية الماركسية أو الواقعية الجدلية أو المناهج البيوغرافية التي اهتمت كثيرا بالمبدع وحياته وظروفه التاريخية، والمناهج النقدية التقليدية التي كان ينصب اهتمامها على المعنى وتصيده من النص باعتباره جزءا من المعرفة والحقيقة المطلقة، والمناهج البنيوية التي انطوت على النص المغلق وأهملت عنصرا فعالا في عملية التواصل الأدبي ألا وهو القارئ الذي ستهتم به نظرية التلقي والتقبل الألمانية أيما اهتمام.

ترى نظرية التلقي أن أهم شيء في عملية الأدب هي تلك المشاركة الفعالة بين النص الذي ألفه المبدع والقارئ المتلقي. أي إن الفهم الحقيقي للأدب ينطلق من موقعة القارئ في مكانه الحقيقي وإعادة الاعتبار له باعتباره هو المرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه وهو كذلك القارئ الحقيقي له: تلذذا ونقدا وتفاعلا وحوارا. ويعني هذا أن العمل الأدبي لا تكتمل حياته وحركته الإبداعية إلا عن طريق القراءة وإعادة الإنتاج من جديد؛ لأن المؤلف ماهو إلا قارئ للأعمال السابقة وهذا ما يجعل التناص يلغي أبوة النصوص ومالكيها الأصليين. ويرى إيزر أن العمل الأدبي له قطبان: قطب فني وقطب جمالي. فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي وتسييجه بالدلالات والتيمات  المضمونية  قصد تبليغ القارئ بحمولات النص المعرفية والإيديولوجية، أي إن القطب الفني يحمل معنى ودلالة وبناء شكليا. أما القطب الجمالي، فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة إلى حالته الملموسة، أي يتحقق بصريا وذهنيا عبر استيعاب النص وفهمه وتأويله. ويقوم التأويل بدور مهم في استخلاص صورة المعنى المتخيل عبر سبر أغوار النص واستكناه دلالاته والبحث عن المعاني الخفية والواضحة عبر ملء البيضات والفراغات للحصول على مقصود النص وتأويله انطلاقا من تجربة القارئ الخيالية والواقعية. ويجعل التأويل من القراءة فعلا حدثيا نسبيا لا يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة أو الوحيدة المتعالية عن الزمان والمكان. لأن القراءة تختلف في الزمان والمكان حسب طبيعة القراء ونوعيتهم. لذلك يرى أمبرطو إيكو U.ECO أن هناك أنماطا من القراءة والقراء في دراساته عن النص المفتوح والنص الغائب:

1- نص مفتوح وقراءة مفتوحة.

2- نص مفتوح وقراءة مغلقة.

3- نص مغلق وقراءة مغلقة.

4- نص مغلق وقراءة مفتوحة. (3)

ولايكون العمل الإبداعي إلا من خلال المشاركة التواصلية الفعالة بين المؤلف والنص والجمهور القارئ. ويدل هذا على أن العمل الإبداعي يتكون من عنصرين أساسين: النص الذي قوامه المعنى وهو يشكل أيضا تجربة الكاتب الواقعية والخيالية والقارئ الذي يتقبل آثار النص سواء أكانت إيجابية أم سلبية في شكل استجابات شعورية ونفسية ( ارتياح - غضب - متعة - تهييج - نقد - رضى...) . وهذا يجعل النص الأدبي يرتكز على الملفوظ اللغوي (النص) والتأثير الشعوري (القارئ) في شكل ردود تجاه حمولات النص. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العمل الأدبي يتموقع في الوسط بين النص والقراءة من خلال التفاعل الحميمي والوجداني الاتصالي بين الذات والموضوع أي النص والقارئ. ومن ثم، فالعمل الأدبي أكبر من النص وأكبر من القراءة، بل هو ذلك الاتصال التفاعلي بينهما في بوتقة منصهرة واحدة. وإذا كانت المناهج الأخرى تركز على اتجاه واحد في القراءة من النص إلى القارئ فإن منهجية التقبل والقراءة تنطلق من خطين مزدوجين متبادلين: من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص على غرار القراءة الظاهراتية (الفينومينولوجية). ولا يحقق نص المؤلف مقصديته ووظيفته الجمالية إلا من خلال فعل التحقق القرائي وتجسيده عبر عمليات ملء الفراغات والبياضات وتحديد ماهو غير محدد، وإثبات ما هو منفي، والتأرجح بين الإخفاء والكشف على مستوى استخلاص المعاني عن طريق الفهم والتأويل والتطبيق. ولن تكون القراءة مثمرة جادة إلا إذا وجد القارئ الافتراضي الخيالي الذي يعيد بناء النص عن طريق نقده وتأويله انطلاقا من تجربة جمالية وفنية بعيدا عن تصور القارئ المعاصر الواقعي. والقارئ الضمني: "ليس له وجود في الواقع، وإنما هو قارئ ضمني، يخلق ساعة قراءة العمل الفني الخيالي. ومن ثم، فهو قارئ له قدرات خيالية شأنه شأن النص. وهو لا يرتبط مثله بشكل من أشكال الواقع المحدد، بل يوجه قدراته الخيالية للتحرك مع النص باحثا عن بنائه، ومركز القوى فيه، وتوازنه، وواضعا يده على الفراغات الجدلية فيه فيملؤها باستجابات الإثارة الجمالية التي تحدث له"(4)

وتفيد منهجية القراءة في معرفة الآثارالتي تتركها فينا الأعمال الأدبية ولاسيما الخالدة منها. ويعني هذا أن ما يهم هذه النظرية ليس ما يقوله النص ولا من قاله ولا مضامينه ومعانيه التي تبقى نسبية بل ما يتركه العمل من آثار شعورية ووقع فني وجمالي في النفوس والبحث عن أسرار خلود أعمال مبدعين كبار وأسباب ديمومتها وحيثيات روعتها وعبقريتها الفنية. كما تحاول هذه النظرية أن تعيد قراءة الموروث الأدبي والإبداعي من خلال التركيز على ردود القراء وتأويلاتهم للنصوص وانفعالاتهم وكيفية تعاملهم معها أثناء التقبل وطبيعة التأثير التي تتركها نفسيا وجماليا لدى القراء عبر اختلاف السياقات التاريخية والاجتماعية. وهكذا يدعو كل من إيزر ويوس إلى إعادة كتابة تاريخ الأدب الغربي على ضوء جمالية القراءة لمعرفة الذوق السائد وطبيعة التفكير والتفاعل بين الذوات والنصوص الإبداعية والمقاييس الجمالية التي استخدمت في التأويل عبر التطور التاريخي والتحقيب الأدبي والنقدي. يقول يوس في هذا الصدد: "إذا أردنا كتابة تاريخ أدبي جديد، من خلال رسم يعيد تكوينه، انطلاقا من بقايا الأعمال والتفرعات التاريخية، والتأويلات، ودعاوي التواصل الأدبي المتخفاة تحته، علينا أن نسارع إلى تاريخ التجربة الجمالية ونظريتها. وتظهر لي ضرورة كل هذا لأنه يمنحنا (الجسر الهرمنوتيكي) لبلوغ حقب بعيدة في الزمان وفي الثقافات الأجنبية ذات التقليد الأوربي".(5) ويشير إيزر أيضا إلى مدى أهمية إعادة تاريخ الأدب الأوربي اعتمادا على شهادات القراء ورصد ردود قراءاتهم وأذواقهم الجمالية أثناء تفاعل ماهو شعوري (القراءة) مع ماهو لفظي (النص): "كيف يتم استقبال النص الأدبي من طرف جمهور معين؟ عن الأحكام الصادرة عن الآثار الأدبية تعكس بعض وجهات النظر وبعض الضوابط السائرة بين الجمهور المعاصر مما يجعل الدليل الثقافي المرتبطة به هذه الأحكام، يمارس تأمله داخل الأدب. وهذا أيضا، صحيح حين يعمد تاريخ التلقي إلى شهادات، القراء الذين يطلقون، عبر فترات مختلفة من الزمن، أحكاما على أثر معين. وفي هذه الحالة، يكشف تاريخ التلقي الضوابط التي توجه هذه الأحكام مما يشكل نقطة انطلاق لتاريخ الذوق، الشروط الاجتماعية لجمهور القراء."(6)

وعليه، فإن العمل الأدبي قد يراعي أفق انتظار القارئ عندما يستجيب لمعاييره الفنية والجمالية والأجناسية عبر عمليات المشابهة النصية والمعرفة الخلفية وقواعد الأجناس والأنواع الأدبية التي تعرفها في نظرية الأدب. ولكن قد يخيب توقعه ويفاجأ إذا واجه نصا حداثيا جديدا لم ينسجم مع القواعد التي يتسلح بها في مقاربة النص الأدبي. فعندما نقرأ الروايات الكلاسيكية فإنها تراعي أفق انتظار القارئ الذي تعود على قراءتها من خلال معايير وآليات تجنيسية وتحليلية معروفة. بيد أنه إذا أعطيت لهذا القارئ الكلاسيكي رواية حداثية فإنها ستصدمه بطرائق فنية جديدة تنزاح عما ألفه من مفاهيم القراءة التقليدية بسبب الانزياح الفني بين الطرائق الموجودة في السرد الكلاسيكي والسرد المعاصر. ويعني أن هناك مسافة جمالية تربك القارئ وتجعل توقعه الانتظاري خائبا بفعل هذا الخرق الفني والجمالي الذي يسمو بالأعمال الأدبية ويجعلها خالدة مثل: رواية دون كيشوط لـ (سيرفانتيس) لدى يوس، ويقصد – يوس- بالمسافة الجمالية: "ذلك البعد القائم بين ظهور الأثر الأدبي نفسه وبين أفق انتظاره، وإنه لايمكن الحصول على هذه المسافة من استقراء ردود أفعال القراء على الأثر، أي من تلك الأحكام النقدية التي يطلقونها عليه. وهنا أكد يوس على أن الآثار الأدبية الجيدة هي تلك التي تنمي انتظار الجمهور بالخيبة، إذ الآثار الأخرى التي ترضي آفاق انتظارها وتلبي رغبات قرائها المعاصرين هي آثار عادية جدا تكتفي، عادة، باستعمال النماذج الحاصلة في البناء والتعبير، وهي نماذج تعود عليها القراء. إن آثارا من هذا النوع هي آثار للاستهلاك السريع سرعان ما يأتي عليها البلى. أما الآثار التي تخيب آفاق انتظارها وتغيظ جمهورها المعاصر لها، فإنها آثار تطور الجمهور وتطور وسائل التقويم والحاجة من الفن، أو هي آثار ترفض إلى حين حتى تخلق جمهورها خلقا."(7) وهناك نصوص تغيير أفق انتظار القارئ الذي يجمع بين الذكاء والفطنة حيث يتعلم بسرعة كل ما هو جديد ويتكيف مع كل نص طليعي أو حداثي حيث يغير هذا القارئ من آليات قراءته وأدواته حتى ينسجم مع معطيات النصوص المفتوحة. ويمكن لنا أن نوضح ما قلناه في هذه الخطاطة:

 ويبدو أن الدراسة الأدبية عند يوس: "ليس تحليل النصوص تحليلا هيكلانيا مضمنا بها، وليس هو أيضا استعراض المعارف المتعلقة بالكاتب وبالأثر، وإنما هو التخاطب الأدبي من خلال ما تتسم به الأوضاع التاريخية والاجتماعية والثقافية من خصائص. إن موضوع الدراسة الأدبية هو أن نعرف كيف أجاب الأثر الأدبي على ما لم تجب عليه الآثار السابقة من قضايا، وكيف اتصل بقرائه أو خلقهم خلقا".(8)

وإذا انتقلنا إلى مرتكزات هذه النظرية فيمكن حصرها في المفاهيم التالية:

1- ثنائية القارئ والنص ،

2- التأثير والتواصل ،

3- العمل الأدبي بين القطبين: الفني والجمالي ،

4- التحقق والتأويل ،

5- القارئ الافتراضي المثالي ،

6- أفق الانتظار ،

7- ملء البيضات والفراغات والبحث عن النص الغائب ،

8- النص المفتوح ،

9- المسافة الجمالية.

أما عن مرجعيات هذه النظرية الأدبية، فإن روب هولمب يوجزها في خمسة مؤثرات هي على التوالي:

1- الشكلانية الروسية ،

2- بنيوية براﯖ ،

3- ظواهرية "رومان إنجاردان" ،

4- هيرمينوطيقا "جادامر" ،

هذا، وقد كانت هناك مؤثرات وراء تشكل نظرية التقبل منها النظرية الفنومولوجية أو الفلسفة الظاهراتية التي ظهرت في ألمانيا مع هوسرل ورومان إنجاردان، وترتكز هذه الفلسفة على ترابط الفكر والوجود الظاهري للأشياء. وبتعبير آخر، تؤمن هذه الفلسفة بتفاعل الذات والموضوع بطريقة تواصلية من الصعب الفصل بين القطب الذاتي والموضوعي. أما المعنى فإنه يستخلص من خلال التفاعل والتواصل بين هذين الفاعلين. وهذا ينطبق على تفاعل القارئ مع النص تفاعلا تأويليا تحققيا قصد الوصول إلى الدلالة وإعادة بنائها من جديد. وساهمت التأويلية لدى جادامر في دراسة الكيفية التي نتعامل بها النصوص عن طريق استنتاج المعنى سواء أكان ظاهرا أم مخفيا عبر عملية الفهم والانتقال من المعنى إلى الدلالة ثم تأويل النصوص وذلك بتفسيرها جماليا وفنيا. وهذا التأويل التفسيري يختلف من سياق تاريخي إلى سياق تاريخي آخر. كما تقوم سوسيولوجية الأدب بدور مهم في استقراء إحصائي للقراءة الجماهيرية وطبيعة القراء والقراءة وكيفية الاتصال. كما أن البنيوية سواء أكانت شكلانية أم لسانية وظيفية أيضا كان لها تأثير في دراسة النص والإشارة إلى عملية القراءة وأنظمة التواصل الجاكبسوني (التركيز على عناصر التواصل الست: المرسل والمرسل(10) إليه والرسالة والقناة والمرجع واللغة) والتركيز على البنيات الشكلية للنص كالإشارة إلى عوامل السرد من كاتب ضمني وقارئ ضمني...

ويقول إيزر محددا مؤثرات أخرى لنظريته: "من الشائع الآن أن النظريات تمارس تأثيرا معينا على الساحة الثقافية الألمانية: الماركسية، ونظرية التحليل اللغوي، ونظرية الإعلام، والتأويل، والتحليل النفسي. أما بالنسبة للدراسات الأدبية بوجه خاص، فيبدو أن أبرز هذه الاتجاهات هو التحليل النفسي، وفن التأويل. وفضلا عن ذلك ينبغي أن نذكر نظرية تجريبية في الأدب، اكتسبت شهرة عظيمة في الأعوام الأخيرة؛ هي تسجيل استجابات الناس واستخلاص استدلالات فيما يتعلق بالقانون الاجتماعي الذي يتحكم في اتجاهاتهم.

وقبل التأثير الذي تركته النظريات السالفة الذكر، انتشرت النقدية الجديدة في الدراسات الأدبية الألمانية؛ إذ أثبتت هذه النزعة أنها رد فعل للانتفاع بالنص الأدبي في أغراض شتى، وبخاصة في الأغراض السياسية، في ماضي ألمانيا القريب.

ومن رواد هذه النظرية في العالم العربي نستحضر مجموعة من الأقلام النقدية على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، منها: عبد الفتاح كليطو في كتابيه: الحكاية والتأويل(11) والأدب والغرابة(12) وحميد لحمداني في كتابه: القراءة وتوليد الدلالة(13) ومحمد مفتاح في كتابه: التلقي والتأويل(14)، وكلهم باحثون ودارسون مغاربة.

ج)نظرية ما بعد الاستعمار

1- مفهوم نظرية ما بعد الاستعمار:

تعد نظرية ما بعد الاستعمار من أهم النظريات الأدبية والنقدية التي رافقت مرحلة ما بعد الحداثة، ولا سيما أن هذه النظرية ظهرت بعد سيطرة البنيوية على الحقل الثقافي الغربي، وبعد أن هيمنت الميثولوجيا البيضاء على الفكر العالمي، وأصبح الغرب مصدر العلم والمعرفة والإبداع، وموطن النظريات والمناهج العلمية. ومن ثم، أصبح الغرب هو المركز. وفي المقابل، تشكل الدول المستعمرة  المحيط التابع على حد تعبير الاقتصادي المصري سمير أمين. ويعني هذا أن نظرية ما بعد الاستعمار تعمل على فضح الإيديولوجيبات الغربية، وتقويض مقولاتها المركزية على غرار منهجية التقويض التي تسلح بها الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا (J.Derrida)، لتعرية الثقافة المركزية الغربية، ونسف أسسها المتافيزيقية والبنيوية. وإن أكثر:" اهتمام ذي صلة في فكر ما بعد الاستعمار هو تهميش الثقافة الغربية وقيمها للثقافات المختلفة الأخرى. ويتضح من منظور عالم ما بعد الاستعمار أن أعمال الفكر الكبرى في غرب أوروبا والثقافة الأمريكية قد هيمنت على الفلسفة والنظرية النقدية، وكذلك على أعمال الأدب في جزء واسع من أنحاء العالم، ولا سيما تلك المناطق التي كانت سابقا تحت الحكم الاستعماري. إن مفهوم دريدا عن الميثولوجيا البيضاء، الذي حاول أن يفرض نفسه على العالم بأسره، قد قدم الدعم لهجوم ما بعد الاستعمار على هيمنة الإيديولوجيات الغربية . وإن رفض ما بعد الحداثة للسرديات الكبرى وأنماط الفكر الغربي التي أصبحت عالمية، كان أيضا مؤثرا جدا." 

وتسمى هذه النظرية كذلك بالخطاب الاستعماري، وقد ظهرت هذه النظرية حديثا مرافقة لنظرية ما بعد الحداثة، وبالضبط في سنوات الستين والسبعين إلى غاية سنوات التسعين من القرن العشرين. وقد أعطيت  لنظرية ما بعد الاستعمار تعريفات عدة،  ومن أهم تعاريفها أن مصطلح " مابعد استعماري" يستخدم ليغطي :" كل الثقافات التي تأثرت بالعملية الإمبريالية من لحظةالاستعمار حتى يومنا الحالي؛ ذلك أن هناك خطًا متصلاً من الاهتمامات، على مدار العملية التاريخية التي بدأها العدوان الإمبريالي... ونحن نشير كذلك إلى ملاءمةالمصطلح للنقد الجديد العابر للثقافات الذي ظهر في السنوات الأخيرة، وللخطاب الذي تكوّن من خلاله ذلك النقد. وبهذا المعنى، فإن كتابنا هذا – كما يقول بعض القائلين بنظرية ما بعد الاستعمار - يهتم بالعالم كماكان خلال فترة الهيمنة الإمبريالية الأوروبية وبعدها، وتأثير ذلك على الآدابالمعاصرة... وعلى هذا النحو، تكون آداب البلاد الأفريقية، واسترالياوبنجلاديش وكندا وبلاد البحر الكاريبي والهند... كلها آداب ما بعد الاستعمار... وما يجمعبين هذه الآداب - بعد سماتها الإقليمية الخاصة – أنهاظهرت بشكلها الحالي في أعقاب تجربة الاستعمار، وأكدت نفسها من خلال إبراز التوترمع القوة الإمبريالية، وبالتركيز على ما يميزها عن فرضيات المركز الإمبرياليوهذا هو ما يجعلها آدابًا ما بعد استعمارية." 

وبناء على ما سبق، فالنظرية ما بعد الاستعمار هي التي تهدف إلى تحليل كل ما أنتجته الثقافة الغربية باعتباره خطابا مقصديا، يحمل في طياته توجهات استعمارية إزاء الشعوب التي تقع خارج المنظومة الغربية. كما يوحي المصطلح بوجود استعمار جديد يخالف الاستعمار القديم. لذا، يتطلب هذا الاستعمار التعامل معه من خلال رؤية جديدة، تكون رؤية موضوعية وعلمية مضادة. ويعرف سعد البازعي مصطلحي الخطاب الاستعماري والنظرية ما بعد الاستعمار قائلا:" يشير هذان المصطلحان اللذان يكملان بعضهما بعضا إلى حقل من التحليل ليس جديدا بحد ذاته، ولكن معالمه النظرية والمنهجية لم تتضح في الغرب إلا مؤخرا مع تكثف الاهتمام به، وازدياد الدراسات حوله. يشير المصطلح الأول إلى تحليل ما بلورته الثقافة الغربية في مختلف المجالات من نتاج يعبر عن توجهات استعمارية إزاء مناطق العالم الواقعة خارج نطاق الغرب على أساس أن ذلك الإنتاج يشكل في مجمله خطابا متداخلا بالمعنى الذي استعمله فوكو لمصطلح خطاب.أما المصطلح الثاني، " النظرية ما بعد الاستعمارية"، فيشير إلى نوع آخر من التحليل ينطلق من فرضية أن الاستعمار التقليدي قد انتهى، وأن مرحلة من الهيمنة- تسمى أحيانا المرحلة الإمبريالية أو الكولونيالية- كما عربها بعضهم- قد حلت وخلقت ظروفا مختلفة تستدعي تحليلا من نوع معين. ولذا، فإن المصطلحين ينطلقان من وجهات نظر متعارضة فيما يتصل بقراءة التاريخ، وإن كان ذلك اختلافا في التفاصيل لا في الجوهر، فبينما يرى بعضهم انتهاء مرحلة الاستعمار التقليدي. وبالتالي، انتهاء الخطاب المتصل به، وضرورة أن يتركز البحث في ملامح المرحلة التالية، وهي مرحلة ما بعد الاستعمار، يرى بعضهم الآخر أن الخطاب الاستعماري ما يزال قائما وأن فرضية "المابعدية" لا مبرر لهاهذا، ولقد طرحت نظرية ما بعد الاستعمار مجموعة من الإشكاليات الجوهرية التي تتعرض لعلاقة الأنا بالآخر، أو علاقة الشرق بالغرب، أو علاقة الهامش بالمركز، أو علاقة المستعمر بالشعوب المستعمرة الضعيفة، ومن بين هذه الاسئلة والإشكاليات نذكر الافتراضات التالية: "كيف أثرت تجربة الاستعمار على هؤلاء الذين استُعمِروا من ناحية، وأولئك الذين قاموا بالاستعمار من ناحية أخرى؟ كيف تمكنت القوى الاستعمارية من التحكم في هذه المساحة الواسعة من العالم غير الغربي؟ ما الآثار التي تركها التعليم الاستعماري والعلم والتكنولوجيا الاستعمارية في مجتمعات ما بعد الاستعمار؟ وكيف أثرت النزعة الاستعمارية؟ كيف أثر التعليم الاستعماري واللغة المستعمرة على ثقافة المستعمرات وهويتها؟ كيف أدى العلم الغربي والتكنولوجيا والطب الغربي إلى الهيمنة على أنظمة المعرفة التي كانت قائمة؟ وما أشكال الهوية ما بعد الاستعمارية التي ظهرت بعد رحيل المستعمر؟ إلى أي مدى كان التشكل بعيدًا عن التأثير الاستعماري ممكنًا؟ هل تركز الصياغات الغربية لما بعد الاستعمار على فكرة التهجين أكثر مما تركز على الوقائع الفعلية؟ هل ينبغي استمرار معاداة الاستعمار عبر العودة الجادة إلى الماضي السابق على فترة الاستعمار؟ كيف تلعب مسائل الجنس والنوع والطبقة دورًا في الخطاب الاستعماري وما بعد الاستعماري؟ هل حلت أشكال جديدة من الإمبريالية محل الاستعمار؟ وكيف؟

وعليه، فـ"نظرية  ما بعد الاستعمار" هي  في الحقيقة قراءة للفكر الغربي في تعامله مع الشرق، من خلال مقاربة نقدية بأبعادها الثقافية والسياسية والتاريخية. وبتعبير آخر، تحلل هذه النظرية الخطاب الاستعماري في جميع مكوناته الذهنية والمنهجية والمقصدية تفكيكا وتركيبا وتقويضا، بغية استكشاف الأنساق الثقافية المؤسساتية المضمرة التي تتحكم في هذا الخطاب المركزي.

2- مرتكزات نظرية ما بعد الاستعمار:

تنبني نظرية ما بعد الاستعمار في مجال الحقل الثقافي بصفة عامة وحقل النقد الأدبي بصفة خاصة على مجموعة من المرتكزات الفكرية والمنهجية، ويمكن حصرها في المكونات والعناصر التالية:

1- فهم ثنائية الشرق والغربتحاول نظرية ما بعد الاستعمار فهم الشرق والغرب فهما حقيقيا، وذلك برصد العلاقات التفاعلية التي توجد بينهما سواء أكانت تلك العلاقات إيجابية مبنية على التسامح والتفاهم والتعايش أم مبنية على العدوان والصراع الجدلي والصدام الحضاري، كما يذهب إلى ذلك صموئيل هنتنغتون في كتابه:"صراع الحضارات". ويتمظهر الشرق بشكل جلي في نصوص وخطابات الاستشراق . ومن ثم، تحول هذا الاستشراق من خطاب معرفي موضوعي إلى خطاب سياسي كولونيالي ذاتي ومصلحي .لذا، تسلح مثقفو نظرية ما بعد الاستعمار بآليات التفكيك والتقويض لتشتيت المقولات المركزية التي انبنت عليها حضارة الغرب

2- مواجهة التغريباستهدفت نظرية ما بعد الاستعمار محاربة سياسة التغريب والتدجين والاستعلاء التي كان ينهجها الغرب في التعامل مع الشرق . ومن ثم، شمر مثقفو نظرية ما بعد الاستعمار عن سواعدهم لفضح الهيمنة الغربية، وتعرية مرتكزاتها السياسية والإيديولوجية، مع تبيان نواياها الاستعمارية القريبة والبعيدة، والتشديد على جشعها المادي لاستنزاف خيرات الشعوب المقابلة الأخرى. لذا، يتسم الخطاب الثقافي الغربي بنزعة التمركز، وتأكيد خاصيات: التفوق والتمدن والتحضر، وذلك في مقابل خطاب دوني يتصف بالبدائية، والشعوذة، والشهوانية، والسحر الطقوسي الخرافي.

 3- تفكيك الخطاب الاستعماريتهدف نظرية ما بعد الاستعمار إلى فضح الخطاب الاستعماري الغربي، وتفكيك مقولاته المركزية التي تعبر عن الغطرسة والهيمنة والاصطفاء اللوني والعرقي والطبقي، وذلك باستعمال منهجية التشتيت والفضح والتعرية. لذا، فقد وجد كتاب نظرية ما بعد الاستعمار في تفكيكية جاك ديريدا آلية منهجية لإعلان لغة الاختلاف، وتقويض المسلمات الغربية، والطعن في مقولاتهم البيضاء ذات الطابع الحلمي الأسطوري. كما تأثروا في ذلك بميشيل فوكو، وكارل ماركس، وأنطونيو غرامشي، وكان إدوارد سعيد رائدهم في ذلك.

4- الدفاع عن الهوية الوطنية والقوميةرفض كتاب ومثقفو النظرية الاستعمارية الاندماج في الحضارة الغربية، وانتقدوا سياسة الإقصاء والتهميش والهيمنة المركزية، ورفضوا كذلك الاستلاب والتدجين، فدعوا في المقابل إلى ثقافة وطنية أصيلة، ونادوا بالهوية القومية الجامعة. ومن هؤلاء – مثلا- كتاب ومبدعو الحركة الزنجية الأفريقية الذين سخروا كل ما لديهم من آليات ثقافية وعلمية لمواجهة التغريب، فتشبثوا بهويتهم السوداء، ودافعوا عن كينونتهم الزنجية الأفريقية. وقد رأينا كذلك كتاب الفرانكفونية بالمغرب العربي يحاربون المستعمر بلغته، ويقوضون حضارته بالنقد والفضح والتعرية، مستخدمين في ذلك لغة فرنسية مختلطة باللغات الوطنية تهجينا وأسلبة وسخرية.

5- علاقة الأنا بالآخرترتكز نظرية ما بعد الاستعمار على مناقشة علاقة الأنا والغير في ضوء مقاربات ما بعد الحداثة كالمقاربة الثقافية، والمقاربة الماركسية، والمقاربة التاريخية الجديدة، والمقاربة السياسية، وكل ذلك من أجل فهم العلاقة التفاعلية بين الأنا والغير، هل هي علاقة جدلية سلبية قائمة على العدوان والصراع أم هي علاقة إيجابية قائمة على الأخوة والصداقة والتعايش والتسامح؟ وبتعبير آخر، هل هي علاقة قائمة على العدوان والكراهية والإقصاء والصراع الحضاري  أم هي علاقة تفاهم وتعاون وتكامل؟

6- الدعوة إلى علم الاستغرابإذا كان المفكرون الغربيون يتعاملون مع الشرق في ضوء علم الاستشراق باعتباره خطابا استعماريا وكولونياليا، وذلك من أجل إخضاعه حضاريا، والهيمنة عليه سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، فإن المثقفين الذين ينتمون إلى نظرية ما بعد الاستعمار كحسن حنفي – مثلا- يدعون إلى استشراق مضاد، أو ما يسمى أيضا بعلم الاستغراب، بغية تفكيك الثقافة الغربية تشريحا وتركيبا، وتقويض خطاب التمركز تشتيتا وتأجيلا، وفضح مقصدية الهيمنة على أسس علمية موضوعية .

 7- المقاومة المادية والثقافيةلم يكتف مثقفو نظرية الاستعمار بقراءة الخطاب الاستشراقي الغربي، بل حاولوا مقاومة المستعمر بكل الوسائل المتاحة إما عن طريق المقاومة السلمية أو المسلحة، وإما عن طريق الاستشراق المضاد، أو نشر الكتابات التقويضية لتفكيك الفكرين المتمركزين: الأوروبي والأمريكي، وفضحهما بشتى السبل والطرائق، ما دام هذان التمركزان مبنيين على اللون، والعرق، والجنوسة، والطبقة، والدين.

8- النقد الذاتي: لم يكتف مثقفو نظرية ما بعد الاستعمار أيضا بتوجيه النقد إلى الغرب، بل سعوا إلى نقد ذواتهم ضمن ما يسمى بالنقد الذاتي كما عند المفكر المغربي علال الفاسي، وما قام به الناقد الكيني الأصل عبد الرحمن جان محمد خير دليل على ذلك، حينما صرح قائلا: " أعتقد أننا نحتاج إلى الإفصاح بشكل أكثر انتظامًا، عن الواجبات التي تفرضها علينا هذه الوضعية البينية، وهي واجبات أشعر أنه يمكن استشعارها من وضعية مثقف "العالم الثالث" في الأكاديميات الغربية. إننا لا نزال نكافح ضد الهيمنة المعرفية للغرب، لا نزال نحارب "الاستعمار" و" الاستعمار الجديد". ولكن بالمقارنة مع التابع في "العالم الثالث"، نحن نعيش في ظروف بالغة الرفعة. بعض النقاد يؤكدون أن نوعًا معينًا من نظرية ما بعد الاستعمار يمثل هو نفسه جزءًا من البنية القائمة على الهيمنة، أي أنه نوع مستمر ومكرر من الاستعمار. ولهذا أعتقد أنه لا بد لنا أن نستمر على خطى جاياتري سبيفاك وآخرين، فنتفحص وضعية ذواتنا في كل هذه النواحي وبشكل أكثر انتظامًا

ويعني هذا أن ثمة مفارقة بين القول والفعل، وأن هناك انفصاما وجوديا وحضاريا وطبقيا بين مفكري نظرية ما بعد الاستعمار وواقعهم المتخلف المزري.

 9- غربة المنفى: يعيش أغلب المثقفين الذين ينتمون إلى نظرية ما بعد الاستعمار في الغرب منفيين أو لاجئين أو محميين أو معارضين. ومن ثم، ينتقدون مرة بلدانهم الأصلية وواقعها المتخلف. ومرة أخرى، يرفضون سياسة التغريب والتهميش والتمركز الغربي. ويعني هذا أنهم يعيشون تمزقا ذاتيا وموضوعيا، وهم دائما في غربة ذاتية داخل المنفى المكاني والذاتي والعقلي والنفسي كما هو حال جوليا كريستيفا وإدوارد سعيد مثلا. وهكذا، يتحدث إدوارد سعيد مثلاً في "صور المثقف"، عن حالة المنفى اللاذعة، وهي تعبر عن فضاء العتبة، فضاء الأزمة والصراع الداخلي. ومن هنا، "فالمنفى بالنسبة للمثقف – بهذا المعنى الميتافيزيقي – هو حالة من عدم الراحة، حالة حركة، ألا يستقر أبدًا، وألا يدع الآخرين يستقرون؛ إذ ليس بإمكانك أن ترجع إلى حالة من حالات وجودك الأولى في وطنك، ربما تكون الحالة الأكثر استقرارًا، كما أنه ليس بإمكانك أبدًا – ويا للأسف – أن تصل إلى وطنك الجديد أو حالتك الجديدة". ثم يستطرد سعيد في فصول كتابه الصغير، إلى توصيف وضعية ذلك المثقف المأمول الذي يمكنه أن يقول الحقيقة للسلطة  في وجهها 

10- التعددية الثقافيةدافع كثير من مثقفي نظرية ما بعد الاستعمار عن التعددية الثقافية، ورفضوا التمركز الثقافي الغربي والثقافة الواحدة المهيمنة، كما رفضوا سياسية التدجين والتغريب والإقصاء، ونادوا بالتنوع الثقافي والانفتاح الثقافي، وذلك عبرآليات المثاقفة والترجمة والنقد والتفاعل الثقافيبمعنى أن أن ثمة ثقافات جديدة إلى جانب الثقافة الغربية المركزية، كالثقافة العربية، والثقافة الآسيوية، والثقافة الأفريقية، والثقافة الأمازيغية ... بمعنى أن ليس هناك ثقافة مهيمنة وحيدة، بل هناك ثقافات هجينة متعددة ومتداخلة ومتلاقحة  .

 3- رواد نظرية ما بعد الاستعمار:

ثمة مجموعة من الكتاب والنقاد والمثقفين الذي يمثلون نظرية ما بعد الاستعمار، سواء أكانوا باحثين ينتمون إلى الغرب أم ينتمون إلى العالم الثالث، و نذكر من الدارسين الشرقيين :  الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد الذي ألف كتابا قيما بعنوان:" الاستشراق" سنة 1978م حيث يستعرض فيه تاريخ الاستشراق الغربي ومراحله التطورية، وكتب مقالة قيمة تحت عنوان:" العالم والنص والنقاد" سنة 1983م، يدعو فيها إلى دراسة النص في علاقة بعالمه الخارجي. بمعنى أن إدوارد سعيد ينتقد :" جميع أنماط التحليل النصي التي عدت النصوص على أنها منفصلة عن العالم الموجود فيه. وفكرة أن التحليل النصي قد يكون ممكنا من أجل أن يكون هناك قراءات لانهائية وممكنة لأي نص يمكن أن تتحقق من خلال فصل النص عن العالم الحقيقي."

 هذا، ويعد إدوارد سعيد من محللي الخطاب الاستعماري، ومن أهم منظري نظرية ما بعد الاستعمار. لذلك، توج بكونه مؤسسا لهذا الحقل المعرفي الذي يعنى بتفكيك الخطاب الاستعماري أو الكولونيالي الجديد. كما يعد أيضا من رواد النقد الثقافي ؛ لأنه اهتم كثيرا باستكشاف الأنساق الثقافية المضمرة في المؤسسات المركزية الغربية، وذلك عبر تحليل الخطاب الاستشراقي تفكيكا وتشريحا وتقويضا، متأثرا في ذلك بمنهجية ديريدا، وميشيل فوكو، وأنطونيو غرامشي.

هذا، وينطلق إدوارد سعيد في كتابه:" الاستشراق" من تعريف الشرق بتحديد مدلولاته الجغرافية والحضارية، مع تعريف مصطلح الاستشراق في ضوء المفاهيم اللغوية والعلمية والأكاديمية والتاريخية والمادية. وبعد ذلك، ينتقل الباحث إلى استعراض تاريخ الاستشراق الغربي في مساراته العلمية والاستعمارية، مركزا بالخصوص على الاستشراق الفرنسي، والاستشراق الإنجليزي، والاستشراق الأمريكي الذي ازدهر بعد الحرب العالمية الثانية. ومن ثم، يتعامل الباحث مع الاستشراق كخطاب للتحليل، معتمدا في ذلك على نظريات ميشيل فوكو وأنطونيو غرامشي. وفي هذا الصدد، يقول إدوارد سعيد:" إذا اتخذنا من أواخر القرن الثامن عشر نقطة للانطلاق محددة تحديدا تقريبيا، فإن الاستشراق يمكن أن يناقش، ويحلل بوصفه المؤسسة المشتركة للتعامل مع الشرق- التعامل معه بإصدار تقريرات حوله، وإجازة الآراء فيه وإقرارها، وبوصفه، وتدريسه، والاستقرار فيه، وحكمه: وبإيجاز، الاستشراق كأسلوب غربي للسيطرة على الشرق، واستبنائه، وامتلاك السيادة عليه. ولقد وجدت استخدام مفهوم ميشيل فوكو للخطاب، كما يصفه في كتابيه: " حفريات المعرفة" و"المراقبة والعقاب" ذا فائدة هنا لتحديد هوية الاستشراق. وما أطرحه هنا هو أننا ما لم نكتنه الاستشراق بوصفه خطابا، فلن يكون في وسعنا أبدا أن نفهم الفرع المنظم تنظيما عاليا الذي استطاعت الثقافة الغربية عن طريقه أن تتدبر الشرق- بل حتى أن تنتجه- سياسيا، واجتماعيا، وعسكريا، وعقائديا، وتخييليا، في مرحلة ما بعد عصر التنوير. وعلاوة على ذلك، فقد احتل الاستشراق مركزا هو من السيادة بحيث أنني أومن بأنه ليس في وسع إنسان يكتب عن الشرق، أو يفكر فيه، أو يمارس فعلا متعلقا به أن يقوم بذلك دون أن يأخذ بعين الاعتبار الحدود المعوقة التي فرضها الاستشراق على الفكر والفعل. ولا يعني هذا أن الاستشراق، بمفرده، يقرر ويحتم ما يمكن أن يقال عن الشرق، بل إنه يشكل شبكة  المصالح الكلية التي يستحضر تأثيرها بصورة لا مفر منها في كل مناسبة يكون فيها ذلك الكيان العجيب الشرق موضعا للنقاش.أما كيف يحدث ذلك، فإنه ما يحاول هذا الكتاب أن يكشفه. كذلك يحاول هذا الكتاب أن يظهر أن الثقافة الغربية اكتسبت المزيد من القوة ووضوح الهوية بوضع نفسها موضع التضاد مع الشرق باعتباره ذاتا بديلة .

 ومن الناحية المنهجية، فقد اعتمد إدوارد سعيد على دراسة الخطاب الاستشراقي بمنهجية فيلولوجية تفكيكية قائمة على دراسة الأفكار، والثقافات، والتواريخ، ليبرهن على أن العلاقة بين الشرق والغرب مبنية على القوة والسيطرة والهيمنة المعقدة المتشابكة. ومن ثم، يرى إدوارد سعيد :" ينبغي على المرء ألا يفترض أبدا بأن بنية الاستشراق ليست سوى بنية من الأكاذيب أو الأساطير التي ستذهب أدراج الرياح إذا كان للحقيقة المتعلقة بها أن تجلى. وأنا نفسي أؤمن بأن الاستشراق أكثر قيمة بشكل خاص كعلامة على القوة الأوروبية- الأطلسية- بإزاء الشرق منه كخطاب حقيقي عن الشرق(وهو ما يدعي الاستشراق، في شكله الجامعي أو البحثي، كونه). على أي حال، إن ماعلينا أن نحترمه ونحاول أن ندركه هو القوة المتلاحمة للخطاب الاستشراقي، وعلاقاته الوثيقة بالمؤسسات الاجتماعية والسياسية المعززة، وقدرته المهيبة على البقاء

 

وعليه، فقد تمثل إدوارد سعيد منهجية ميشيل فوكو في دراسة الخطاب، ثم استحضر أفكار أنطونيو غرامشي في التمييز بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، والحديث عن التسلط الثقافي. ومن ثم، فالاستشراق الغربي يمثل نوعا من التسلط الثقافي؛ لأنه يؤكد التفوق الأوروبي على التخلف الشرقي، ويبين أيضا أن للغرب اليد العليا على الشرق تنويرا وتعليما وتثقيفا وتمدينا.

 

هذا، وقد استند إدوارد سعيد في تعامله مع الخطاب الاستشراقي إلى رؤية ثقافية سياسية قائمة على ثلاث خطوات منهجية، وهي: أولا، التمييز بين المعرفة الخالصة والمعرفة السياسية. وثانيا، الاهتمام بالمسألة المنهجية في التعامل مع الأفكار والمؤلفين والمراحل التاريخية، وذلك بالتركيز على الاستشراق الاستعماري للشرق سواء أكان فرنسيا أم بريطانيا أم أمريكيا. وثالثا، البعد الشخصي الذي يتمثل في الجمع بين الموضوعية والذاتية القائمة على الوعي النقدي، مع الاستعانة بأدوات البحث التاريخي، والسياسي، والإنساني، والثقافي.

 

ويبين إدوارد سعيد في الأخير بأن كتابه:" الاستشراق " موجه إلى مجموعة من القراء، بما فهيم طلاب الأدب والنقد لتبيان العلاقات المتداخلة بين المجتمع، والتاريخ، والنصوص، وفهم الدور الثقافي الذي يلعبه الشرق في الغرب، مع الربط بين الاستشراق وبين العقائدية، والسياسة، ومنطق القوة. كما يقدم الكتاب إلى القارىء العام وقارىء العالم الثالث، حيث تطرح هذه الدراسة بالنسبة له:"خطوة لانحو فهم السياسة الغربية والعالم الغربي في هذه السياسة، بل نحو فهم قوة الخطاب الثقافي الغربي، وهي قوة كثيرا جدا ما تفهم خطأ على أنها زخرفية فقط، أو منتمية إلى البنية الفوقية.إن أملي هو أن أوضح البنية المتينة الصلبة للسيطرة الثقافية والأخطار والإغراءات الكامنة في استخدام هذه البنية، خصوصا بالنسبة للشعوب المستعمرة سابقا، عليهم أو على الآخرين." 

إذاً، لقد تأثر إدوارد سعيد بفكر ما بعد الحداثة بصفة عامة، وفكر ميشيل فوكو بصفة خاصة، دون أن ننسى تأثره بالتاريخ الجديد، وفلسفة جاك ديريدا التفكيكية والتقويضية. وقد ربط إدوارد سعيد خطابه الاستشراقي بنزعة التباين والاختلاف بين الشرق والغرب، فقد تسلح الغرب بكل مقولاته المركزية وآلياته البنيوية لإخضاع الشرق والهيمنة عليه سياسيا، وعسكريا، واجتماعيا، وثقافيا، وعلميا. ومن ثم، يقوم الاستشراق بدور هام في عملية الإخضاع والاستيلاء والتغريب، مع ربط الشرق بأغراض المصلحة الغربية. ومن ثم، يتبجح الاستشراق الغربي بالصفات الرشيدة للحضارة الغربية التي تتمثل في الديمقراطية على سبيل الخصوص. بينما يعرف الشرق بالصفات الذميمة كالشهوانية والبدائية والاستبدادية. ومن ثم، فالغرب عند إدوارد سعيد هو العقل، والمركز، والاستشراق.

 ومن هنا، يطرح إدوارد سعيد سؤالا هاما وقيماهل كتاب السكان الأصليين في إطار النظرية الجديدة يتمثلون النظرية الغربية أم يعارضونها؟ بمعنى هل يرفضون الثقافة السائدة أم يخضعونها لمشرح التفكيك والتقويض بالمفهوم الدريدي نسبة إلى تفكيكية جاك ديريدا؟!!

 ويرى ديفيد كارتر (David Karter) في كتابه:" النظرية الأدبية" بأن تحليلات إدوارد سعيد:" للخطابات الاجتماعية المختلفة هي بشكل أساسي تفكيكية و" ضد التيار". فقد كان هدفه تهميش الوعي للعالم الثالث، وتقديم نقد من شأنه أن يقوض هيمنة خطابات العالم الأول . وبالنسبة لسعيد، جميع تمثيلات المشرق المقدمة من قبل الغرب تشكل جهدا دؤوبا يهدف إلى الهيمنة والإخضاع. وقد خدم الاستشراق أغراض الهيمنة الغربية (بالمعنى الذي قصده غرامشي): لإضفاء الشرعية على الإمبريالية، وإقناع سكان هذه المناطق بأن قبولهم للثقافة الغربية هي عملية تمدين إيجابية.ومن خلال تعريف الاستشراق للشرق، فإنه يعرف أيضا كيف يتصور الغرب نفسه(وذلك من خلال المعارضات الثنائية). فالتشديد على الشهوانية والبدائية والاستبدادية في الشرق، يؤكد على الصفات الرشيدة والديمقراطية عند الغرب." 

وما يلاحظ على إدوارد سعيد أنه قد أهمل الاستشراق الإسباني على الرغم من طابعه الاستعماري في المغرب على سبيل الخصوص. كما نعتبره المؤسس الحقيقي للنظرية ما قبل الاستعمار في الحقلين الثقافيين: العربي والغربي على حد سواء، ويعد كذلك الممهد الفعلي للنقد الثقافي. ومن هنا، " يأتي إدوارد سعيد في طليعة محللي الخطاب الاستعماري، بل ويعده بعضهم رائد الحقل، فقد استطاع بمفرده في كتابه:" الاستشراق" كما كتب أحد الدارسين مؤخرا، " أن يفتتح حقلا من البحث الأكاديمي هو الخطاب الاستعماري" (باتراك ويليامز،5). ذلك أن دراسة سعيد للاستشراق دراسة لخطاب استعماري، خطاب تلتحم فيه القوة السياسية المهيمنة بالمعرفة والإنتاج الثقافي.غير أن تحليل سعيد جاء مرتكزا على سياق معرفي وبحثي سابق له يتضمن أعمال اثنين من المفكرين الأوروبيين المعاصرين، هما: الفرنسي ميشيل فوكو والإيطالي أنطونيو غرامشي. ومن الممكن والحال كذلك اعتبار هذين المفكرين ممن وضعوا أسس البحث في الخطاب الاستعماري، بالإضافة إلى بعض فلاسفة مدرسة فرانكفورت مثل: ثيودور أدورنو، وماكس هوركهايمر، وكذلك والتر بنجامين، وحاناه أريندت

 ومن هنا، فكتاب:" الاستشراق" لإدوارد سعيد خير نموذج يعبر عن نظرية ما بعد الاستعمار، ما دام هذا الكتاب خطابا مضادا للاستشراق الغربي؛ لكونه يحوي انتقادات واعية ولاذعة للخطاب التمركزي الغربي تقويضا وتفكيكا وتشتيتا. و" هناك شبه إجماع بين الدارسين على الدور المؤسس الذي لعبه كتاب إدوارد سعيد عن "الاستشراق"، في صياغة اللبنات الأولى لنظرية ما بعد الاستعمار. فقد استدعى هذا الكتاب بما طرحه من أفكار، طائفة أخرى واسعة من الكتابات التي ناقشت هذه الأفكار، أو ردت عليها، أو طورتها، سواء كتابات اللاحقين من منظري ما بعد الاستعمار مثل: سلمان رشدي، وهومي بابا، وجاياتري سبيفاك، أو من تصدوا للنظرية من منظور مخالف، وكشفوا عن تناقضاتها، مثل إعجاز أحمد وعارف ديليرك. وقد شارك إدوارد سعيد نفسه بعد ذلك في تطوير النظرية وتأملها،، من خلال كتاباته ومراجعاته المتعددة التالية لكتاب الاستشراق، وخاصة في كتب مثل: "الثقافة والإمبريالية" و " صور المثقف" و "تأملات حول المنفى" وغيرها. وكان أن انتهت هذه الكتابات جميعًا، وفي زمن قصير نسبيًا،  إلى بلورة حقل ثقافي جديد يعرف الآن باسم "ما بعد الاستعمار"

أما الباحث الهندي هومي بابا (Bhabha, Homi)، فقد تأثر كثيرا بإدوارد سعيد، ومشيل فوكو، وجاك ديريدا، وجاك لاكان ...فقد اهتم بالنصوص التي تكشف هامش المجتمع في عالم ما بعد الاستعمار، مع رصد العلاقات الخفية والمتبادلة بين الثقافات المهيمنة والمستعبدة، ولا سيما في مجلده:" مركز الثقافة" (1994م). ويرى هومي بابا بأن:" التفاعل بين المستعمر (بكسر الراء) والمستعمر(بفتح الراء) يؤدي ليس إلى انصهار المعايير الثقافية التي تؤكد السلطة الاستعمارية فحسب، بل تهدد أيضا في محاكاتها بزعزعة استقرارها. وهذا ممكن لأن هوية المستعمر في حد ذاتها غير مستقرة، إذ توجد في وضع معزول ومغترب، كما توجد هوية المستعمر بحكم اختلافها. فهي تتجسد فقط في الاتصال المباشر مع المستعمر. وقبل ذلك، فإن حقيقتها الوحيدة موجودة في إيديولوجية الاستشراق كما عرفها سعيد

أما الكاتب الهندي سلمان رشدي، فقد استعرض في كتابه:" الإمبراطورية التي ترد كتابة"، مجمل الكتابات التي صيغت في شكل ردود من قبل مثقفي أفريقيا وآسيا كرد فعل على خطابات الثقافة البريطانية المركزية، والتي تشكل ما يسمى بالنظرية ما بعد الاستعمار

أما الناقدة الهندية جي سي سبيفاك ] (Spivak, Gayatri Chakravorty ، فتعد من المؤسسين الفعليين للخطاب الكولونيالي الجديد، وتعد كذلك أول منظرة نسوية بحق وحقيق في مرحلة ما بعد الاستعمار. فقد انتقدت الحركة النسوية الغربية انتقادا عنيفا من " خلال تركيز اهتماماتها على عالم البيض من الطبقة المتوسطة ومن جنسين مختلفين.وتهتم سبيفاك أيضا بدور الطبقة الاجتماعية، وقد ركزت على ما أصبح يعرف في دراسات ما بعد الاستعمار باسم:"الأتباع"، وهو في الأصل مصطلح عسكري يشير إلى أولئك الذين هم في مرتبة أو مكانة أدنى. وإن استخدام هذا المصطلح في النظرية النقدية مستمد من كتابات الكاتب غرامشي. وتستخدم سبيفاك هذا المصطلح للإشارة إلى جميع المستويات المتدنية من المجتمع الاستعماري وما بعد الاستعماري: العاطلين عن العمل والمشردين والمزارعين الذين يعيشون من مورد رزقهم وما إلى ذلك.

 

وتستند سبيفاك إلى منهجية تحليلية نسوية تفكيكية ماركسية ثقافية، وخاصة في مقالها:" هل يمكن للتابع أن يتحدث؟" (1988م)، مركزة على وضعية المرأة الهندية أو ما يسمى بالإناث التابعات، فتناقش سبيفاك :" أنه في الممارسة الهندية التقليدية كحرق الأرامل على محارق أزواجهن الجنائزية، لم يسمح الهنود ولا المستعمر البريطاني للنساء بالتعبير عن آرائهن الخاصة

وعليه، فقد اهتمت سيباك بالدفاع عن المرأة الشرقية، ومواجهة الهيمنة الغربية، والدفاع عن المهاجر، والاهتمام بالأدب والثقافة.

هذا، وقد قام كثير من المفكرين العرب بتعرية النسق الحضاري الغربي، وتقويض مقولاته المركزية، وتفكيك مقاصده الإيديولوجية كما فعل عبد الوهاب المسيري في كتابه:" موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري وتصنيفي جديد"، وما فعله في كتابه:" الإيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" (1983م)، وما أنجزه  حسن حنفي في كتابه:" مقدمة في علم الاستغراب" (1981م)، حيث حاول :" فك عقدة النقص التاريخية  في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر الغربي بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس". غير أننا رأينا هذه العقدة، وقد أخذت طريقها إلى الحل فعلا في دراسات إدوارد سعيد وعبد الوهاب المسيري وغيرهما. ولم يكن البحث والتحليل الطريقين الوحيدين اللذين اعتمد عليهما الدارسون لفك العقدة المشار إليها؛ فبالإضافة إلى ذلك لعبت الترجمة دورا حين اعتنت بما يتصل بهذه العقدة، ويؤدي إلى حلها، كما في ترجمة عبد الوهاب المسيري لكتاب المؤرخ الأمريكي كيفن رايلي:" الغرب والعالم" (1985م) الذي يبرز بعض أوجه الخلل  في الثقافة الغربية، فيعريها بالتالي مما تبدو عليه أحيانا من تفوق مطلق وصلاحية عالمية." 

علاوة على ذلك، لا تقتصر نظرية ما بعد الاستعمار على كتاب آسيا وأفريقيا، فهناك باحثون من الغرب، مثل : فرانز فانون (Frantz Fanon)، وهو من الكتاب السابقين الذين ارتبطوا بنظرية ما بعد الاستعمار، كما يظهر ذلك جليا في كتابه:" المعذبون في الأرض"(1961م)، حيث يحلل فانون طبيعة الاستعمار الكولونيالي، ويبين طابعه الذاتي والمصلحي، معتبرا أن الاستعمار مصدر للعنف والإرهاب؛ مما يولد مقاومة مضادة من قبل الشعوب المستضعفة أو البلدان المستعمرة. ومن ثم، ينتقد فرانز فانون الأنظمة الاستعمارية الكولونيالية الغربية. ومن ثم، يثور على المنظومة الغربية التي ينتمي إليها، معتبرا إياها رمزا للتسلط الثقافي، ومنظومة مركزية مبنية على قوة العلم والثقافة والتكنولوجيا، وذلك بغية الهيمنة، والسيطرة، وإخضاع الشرق ماديا ومعنويا. وخير من يمثل الرد الفعلي المباشر على التغريب الاستعماري والتسلط الثقافي المركزي الغربي الحركات الثقافية المضادة، كالحركة الزنجية التي يتزعمها كتاب أفريقيا، مثل: الشاعر السينيغالي ليوبولد سيدار سينغور، وإيمي سيزير (Aimé Césaire) في كتابه:" خطاب حول الكولونيالية" (1950م)، وكوام نيكروما (Kwame Nkrumah) في كتابه:" نظرية الوعي"(1970م)،  والمبدعين السودانيين: الشاعر محمد الفيتوري الذي خصص أفريقيا بمجموعة من الدواوين الشعرية الوطنية والقومية كما في ديوان:" أغاني أفريقيا"]، والروائي  الطيب صالح كما في روايته:" موسم الهجرة إلى الشمال"...


الوحدة الثالثة



 

 

1)    تاريخ الأفكار والأشكال

2)    تاريخ الأشكال

 

3)    تاريخ الأفكار

 

4)    النص والصورة





هذه الوحدة  كانت عبارة عن مجموعة من العروض والابحاث التي قدمت للأساتذة هذا بالإضافة الي بعض الشروحات التي تأطر الطلبة من حيث كيفية الاشتغال وكذلك امداد الطالب ببعض المعلومات حول كل مادة مثلا بالنسبة لتاريخ الاشكال بحثنا حول القصيدة العربية وتطورها عبر العصور العصر (الجاهلي _الاسلامي _الاموي _العباسي _ الأندلسي)وكل مجموعة بحثت في عصر من هده العصور بتأطير من الأستاذ الذي يأطر الطالب من حيث كيفية الاشتغال بطبيعة الحال، ونفس الامر ينطبق علي تاريخ الافكار مع اختلاف الموضوع حيث كان الموضوع هو المذاهب الغربية ويتعلق الامر (بالمذهب الرومانسي-المذهب الواقعي _المذهب التجريدي)وكذلك الامر في مادة النص والصورة حيث اننا بحثنا في علاقة الصور الموجودة في رواية  سيرك عمار بالشخصيات حيث حللنا الشخصيات الروائية انطلاقا من الصور الموجودة في الرواية

الوحدة الرابعة

 

الأنا والآخر

الأدب المغاربي

 

الآخر في السرد

 

السيرة الذاتية


أ)الأدب المغاربي

في الادب المغاربي حاولنا اولا تحديد مفهوم الادب المغاربي ثم الوقوف علي السياقات التاريخية التي افرزت هذا الادب انطلاقا من فرضيات التقارب والتنافر بينهما وقد سؤلنا هذا المفهوم انطلاقا من الهوية والوظيفة والجدوى باعتمادنا علي منهجية مقارنة في مساءلة بعض النصوص بمنهجية مقارنة بين النصوص فتوصلنا الي أن"الأدب المغاربي" ليست أكثر من مصطلح أدبي فرضته حقبة تاريخية ماضية ميّزت ثلاث دول من منطقة شمال أفريقا، ونقصد هنا تونس، الجزائر والمغرب، والتي عايشت نفس التجربة الكولونيالية تحت سطوة السلطة العسكرية الفرنسية. برز فعلا هذا المصطلح خلال النصف الأول من الخمسينيات، مع بداية "المد الثوري" بدايات نشر أولى التجارب الروائية المغاربية الجادة، والتي ساهمت في إيصالها إلى القارئ مبادرة منشورات "لوسي" الفرنسية ، خصوصا مع الجزائريين مولود فرعون، محمد ديب ومولود معمري والمغربي محمد خير الدين. ولكن مع أولى إصدارات التونسي المعروف ألبير ميميه أيضا، صاحب "تمثال الملح" (1953) و "أغار" (1955). واستمر تداول المصطلح نفسه إلى غاية السبعينيات من القرن الماضي بغية الإشارة إلى مجموعة نصوص ومؤلفات من توقيع كتّاب ينتمون إلى نفس الرقعة الجغرافية ويشتركون حول همّ شجب المنظومة الاستعمارية والتأكيد على حق "الأهالي" في تقرير المصير وتحديد الخيارات. كما وجبت الإشارة، في السياق نفسه، إلى أن أهم المنظرين لمصطلحات "المغاربية" في الأدب هما على التوالي المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي الذي وقع، نهاية الستينيات، مذكرة دكتوراه في السوسيولوجيا حول موضوع "الرواية المغاريبة" عن جامعة السوربون الفرنسية ثم الناقد الفرنسي والذي أقام مطوّلا في الجزائر جون ديجو صاحب كتاب "الأدب المغاربي"، الصادر مطلع السبعينيات، وكذا الفرنسي الآخر شارل بون الذي وقّع، سنوات السبعينيات عديد الأطروحات والمقالات حول نفس الموضع. بعدما جمع بين عديد كتّاب المنطقة المغاربية، خلال العشريات الماضية، همّ "البحث عن سبل التحرر" و وحد بينها نفس الظرف التاريخي، نلاحظ اليوم أن الراهن صار يطرح فرضيات "التنافر" أكثر من فرضيات "التقارب". صار الراهن يبعدنا، أكثر فأكثر، عما ينعته الساسة "Maghreb United"، يكشف عن كثير من الخلافات والصدامات الداخلية المتجددة عاما بعد الآخر، ويحيلنا إلى إعادة التدبر في المصطلح الذي لم يعد - استنادا إلى رأي الكاتب والشاعر مالك علولة - سوى  خطا على صفحة ماضي الكتابة الأدبية. اما بخصوص الهوية تبين أن المغرب العربي كان دائما ذلك "المشترك" من ثقافات وأعراق وعلاقات وتواريخ وجغرافيا شمال غرب إفريقيا. ويبدو أن الفراعنة أنفسهم، رغم انتمائهم إلى شمال إفريقيا، كانوا يعون هذه الخاصية ولذلك فحين فكروا في التوسع، قبل الميلاد بآلاف السنين، فعلوا ذلك لكن غربا جهة الشام ولم يفكروا في المغرب العربي وهي الخاصية التي تكررت في التسعينيات من القرن الماضي عند فتح النقاش حول موافقة المجتمع السياسي المصري على إمكانية انضمام مصر إلى اتحاد المغرب العربي حيث كان الجواب بالإجماع "لا،مصر مشرقية وليست مغاربية!". ما يجمع المغرب العربي كان دائما التاريخ والجغرافيا واللغة التي كانت حتى دخول الإسلام هي اللغة الأمازيغية ثم إنضافت إليها اللغة العربية بعد القرن السابع الميلادي. ومع "صدمة الحداثة" التي كان وراءها الاستعمار الغربي، دخل "مشترك جديد" على الوجود الثقافي المغاربي:الأدب المكتوب الذي صار رغم حداثة سنه،خمسون عاما من الوجود للأدب المغاربي مقارنة مع خمسمائة سنة من الحضور للأدب البريطاني، رافدا من روافد الأدب العالمي بسبب غنى اللغات التي يكتب بها أصلا: عربية وفرنسية وإسبانية وإنجليزية وأمازيغية. لكن تبقى اللغة العربية الأقوى حضورا من بين كل لغات الأدب المغاربي المكتوب. ولعل الحضور القوي للغة العربية نابع من كون الكتابة باللغة الأم هو كتابة عن الذات لمخاطب هو الذات أيضا بينما يبقى الحضور الأقل قوة للغات التعبير الغربية الأخرى، خاصة الفرنسية، التي اعتمدها بعض الكتاب المغاربيين للتعبير عن رؤاهم وتصوراتهم من خلال الكتابة عن الذات لمخاطب هو الآخر. لهذه السبب المركزي، ألقت لغات التعبير الغربية بأغلب الكتاب المغاربيين الذين استعانوا بها إلى التهميش والإقصاء سواء في الأدب الفرنسي  الذي اعتبر الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية "أدبا أجنبيا" بالنظر إلى أصول كتابه أو إلى مضامين أعماله بل وحتى التراكيب اللغوية المشغلة في نصوصه وهي التراكيب التي تحيل بشكل غامض على التراكيب العربية في شكلها القبلي السابق للترجمة إلى اللغة الفرنسية، كما تعرض ذات الكتاب وذات الأدب للتهميش والإقصاء من لدن إخوانهم القيمين على الأدب المغاربي المكتوب باللغة العربية الذين اعتبروا لغة أعمالهم لغة "استعمارية" وأن تصوراتهم ومضامين أعمالهم "فولكلورية"...

إن الاحتفاء بالأدب المغاربي هو احتفاء بـ"المشترك" بين الآداب المغاربية بصيغة الجمع ولكنه في الآن ذاته احتفاء بـ"المختلف فيه" بين هذه الآداب التي تغتني بما يعزز وحدتها كما تغتني بما يقوي تنوعها. ولعل "غنى الوحدة" في الأدب المغاربي يتمثل في شبه الإجماع داخل الأوساط الأدبية المغاربية على "الحاجة الملحة لنهضة مغاربية شاملة" وعلى "ضرورة تحديث المجتمع المغاربي"،أما"غنى التنوع" في الأدب المغاربي فيتمثل في "التوزيع الجغرافي" لهذا الأدب النامي الذي صارت بموجبه تونس عاصمة للشعر في المغرب العربي، والجزائر عاصمة للرواية، في حين صار المغرب عاصمة للقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا معززا مكانته خلال السنوات الثلاثة الماضية ﴿2006-2007-2008﴾ بإعلان تأسيس "المدرسة الحائية: مدرسة القصة المغربية الغدوية" من خلال خمس بيانات كان أولها بيان حول التسمية "المدرسة الحائية"، وثانيها بيان حول "الحاجة إلى مدرسة للقصة القصيرة"، وثالثها بيان حول الأفق التجريبي لـ"المدرسة الحائية"، ورابعها بيان حول بدايات المدرسة وامتداداتها، وخامسها بيان حول رهانات "المدرسة الحائية": إنهاء "عصر الظلمات" في وطن الإبداع السردي.

 ب)الآخر في السرد العربي 

 

حاولنا في البداية تقديم مجموعة من العروض تصب في اطار مراجعة الجهاز المفاهيمي ( الآخر-الأنا- لأيديولوجيا_ الكولونيالية_مابعد الكولونيالية_ النقد الثقافي _ الابستيمولوجيا_)وغيرهامن المفاهيم الذي اعتمدناه طيلة الوحدات السالفة  وقد رسخت هذه الطريقة في العمل مجموعة من المفاهيم التي تعتبر عدة الباحث مما أكسبنا ثقة في انفسنا وقدرتنا علي خوض غمار البحث العلمي لكن لولا الارشادات العلمية والمنهجية  التي قدمتها أستاذة في هذا المجال لما تمكنا من خوض هذا الغمار حيث كان لدينا نقصا كبيرا خاصة علي المستوي المفاهيمي وقد تبين ذلك من خلال المناقشة والتحليل، لكن بفضل الله سبحانه وتعالي واستاذتنا الفاضلة تمكنا من اكتساب عدة مفاهمية ومنهجية لابأس بها لخوض غمار البحث ونتمنى صادقين أن تتاح  لنا فرصة اخري خارج عن نطاق الدرس للاستفادة  أكثر في هذا المجال ثم جاءت بعد ذلك المرحلة التطبيقية  التي اعتمدنا فيها علي تحليل النصوص بواسطة هده المفاهيم مركزين في ذلك علي ثنائية الانا والآخر التي تشكل بؤرة مجموعة من الاعمال التي انتقيناها ،والتي تبلور هذه الثنائية وقد تميزت هذه النصوص بكونها  متنوعة المواضيع وتتخذ من جدلية الانا والآخر موضوعا  لها وقد لاحظنا ان ثنائية الأنا والآخر تتميز بمجموعة من الخصائص في السرد العربي الحديث والتي نعدها كالتالي.

1) التقابل بين الشرق والغرب ( سواء أكان رأسماليا أو اشتراكيا) على المستوى المادي تارة وعلى المستوى الثقافي والروحاني مرة أخرى؛

2- استعراض جدلية الأنا والآخر ضمن علاقاتهما الإيجابية والسلبية؛

3- حضور تيمة السفر والارتحال؛ مما يقرب هذه الرواية من أدب الرحلة؛

4- هيمنة الخاصية السياحية المقرونة بالانبهار والاندهاش؛ وذلك بسبب التفاوت الحضاري بين الشرق والغرب؛

5- تحول جدلية الأنا والآخر من مرحلة الانبهار والاندهاش والتعجب إلى المساءلة الحضارية والسياسية لإشكالية التقدم والتخلف المتعلقة بالشرق والغرب؛

6- تعدد الأنماط السردية المرتبطة بجدلية الأنا والآخر ( الرواية- السيرة الذاتية- اليوميات- الرحلة- المذكرات- الرسائل…)؛

7- تشغيل المرأة رمزا حضاريا للتأشير على ثنائية الشرق والغرب؛

8- توظيف ثنائية الرجولة والأنوثة للإحالة على الشرق والغرب في تقابلهما الحضاري والثقافي؛

9- التركيز على عنصر الفضاء المكاني إما باعتباره حلما حضاريا مثاليا ( رواية ” أديب” ورواية ” الأيام ” لطه حسين…)، وإما باعتباره فضاء للصراع والعدوان( رواية ” أمواج البحر” لمصطفى شعبان…)؛

10- اقتران البطل المحوري في الرواية بشخصية الكاتب تطابقا وسيرة وانعكاسا وتمثيلا وإحالة ، وخاصة في الروايات الأوطوبيوغرافية أو روايات السيرة الذاتية. فمثلا مواصفات بطل رواية ” أديب” تنطبق على الكاتب طه حسين، وبطل ” الحي اللاتيني” يحيلنا على الكاتب سهيل إدريس، ومحسن في رواية ” عصفور من الشرق” يذكرنا بتوفيق الحكيم. وهكذا دواليك

11- خضوع الموضوع المرغوب فيه سيميائيا على مستوى الرغبة لثنائية الاتصال والانفصال. فبعد أن يقع التعايش بين الآنا والآخر سرعان ما تتحول العلاقة بينهما إلى انفصال، وذلك بسبب التباين الحضاري بين الشرق والغرب كما في رواية” قنديل أم هاشم” ليحي حقي ورواية” الحي اللاتيني” لسهيل إدريس”؛

12- التأرجح فضائيا بين مكانين متقابلين: المكان الأصلي (المكان المهجور ) ، ومكان الجاذبية أو المكان المرتحل إليه( مكان الاستقبال- مكان الاغتراب- المكان المهجور إليه)؛

13- الانتقال إيقاعيا من الزمن الحاضر واقعا وكينونة وإساءة وتخلفا ( الشرق) إلى الزمن الممكن المستقبلي استشرافا وحلما وتقدما (الغرب)؛

14- تعدد دواعي الارتحال وحوافزه، والتي تكمن في: السفر- العلم- الحب- البحث عن العمل- السياحة- البحث عن الاستقرار- التجارة- الاستشفاء العضوي والنفسي- الهروب من الاستبداد- اللجوء السياسي- النفي- معرفة الآخر

15- توظيف خطاب الاستغراب المضاد لخطاب الاستشراق؛

16- الغرب في الرواية نوعان من حيث الإيديولوجيا: رأسمالي واشتراكي. وكلاهما رمز للتقدم والازدهار الحضاري؛

17- حضور جميع مقومات الحبكة السردية قصة وخطابا، متنا وشكلا.

ج)السيرة الذاتية

                                                                          

في هذه المادة وقفنا عند مفهوم السيرة الذاتية كما حددها فليب لوجون والتي سنتطرق اليها فيما بعد وحاولنا الوقوف عند مجموعة من النصوص العربية والاجابة علي الفرضية التالية                                                                                  إلي أي حد يمكن أن تتطابق محددات فليب لوجون للسيرة الذاتية مع بعض النصوص العربية الحديثة التي يتكلم فيها اصحابها عن حياتهم الشخصية ؟لكن وجدنا كثير من الصعوبات خاصة وأن  السيرة الذاتية هي من أكثر الأنواع الأدبية إثارة للنقاشات، لأنها لا تريد أن تستقر، فهي ، جنس أدبي مراوغ وغير محدد الملامح ، وذلك لأنها تشتبك مع أجناس أدبية أخرى كاليوميات والمذكرات والرسائل وقصائد السيرة ، والشهادات ، والحوارات الشخصية ، كما أنها تشتبك مع هذه الأنواع حين تستعير آليات عملها ومنطقها الفني . ورغم أن الكثير من النقاد الفرنسيين قد حالوا التنظير لها وضبط مجال المصطلح واشتغاله إلا أنه يظل مصطلحا ملتبسا وغامضا ، و ذلك لقربها من أجناس وأنواع .
كذلك مما يقلل من وجودها أو تجليها بكثرة في الأدب العربي تلك القيود التي تتحكم في كتابتها، وتجعلها تسرب مضامينها وأشكالها إلى تلك الأنواع ، تحاشياً وتجنبا لإرجاع السيرة الذاتية إلى كاتبها الواقعي ،أو المؤلف الواقعي ( شخص الكاتب ) ، وليس المؤلف الضمني ، وما ينتج عن ذلك من أحكام وتقييم سالب للكاتب ، فيفر إلى ما يعرف مثلاً برواية السيرة الذاتية، أو السرد السيرذاتي ،أو يتخفف من بعض اشتراطات كتابتها ، كالسرد بضمير الغائب ، او اللجوء إلى التعديل والحذف.
وقبل أن نتطرق إلى شكل السيرة الذاتية ، ومدى تحققها في أدبنا العربي ، ومدى قدرة الكاتب العربي على كتابة السيرة الذاتية وفق شروطها التي نظر لها النقاد الفرنسيون ، علينا أن نستعرض جهودج هؤلاء النقاد في تعريفهم للسيرة الذاتية ، وما قدموه من أطروحات نظرية ، تحاول أن تحدد ذلك المفهوم الملتبس . 
وقد قام الكثير من الكتاب بكتابة السيرة الذاتية أمثال جان جاك روسو في كتابه " الاعترافات " وستندال وديكارت وفلوبير وفيرجينيا وولف وجورج صاند وتولستوي وغيرهم. 
إن التعريفات المتداولة للسيرة الذاتية لا تخرج عن تحديدها بأنها قصة حياة الشخص التي يسردها بنفسه.
فيليب لوجون
Philipe Lejeune ذلك الناقد الفرنسي هو أول من حاول وضع تعريف لما يطلق عليه السيرة الذاتية ، ومؤلفاته في ذلك المجال كثيرة منها : " "الأوتوبيوغرافيا في فرنسا"و"العقد الأوتوبيوغرافي" و"من أجل الأوتوبيوغرافيا"، و"علامات حياة: العقد الأوتوبيوغرافي 2" 
وراهن لوجون كثيرا على فن السيرة الذاتية فهو يرى أن من حق الجميع أن يكتبوا : " لم يُخْلَق الأدبُ فقط للكتاب الذين تنشر أعمالهم في سلسلة "لابلياد" (الشهيرة)، إنه للآلاف من الناس الذين يودون تبادل تأملاتهم وقراءة بعضهم البعض. إنها ممارسة جماهيرية". 
لقد وضع لوجون تعريفه الشهير للسيرة الذاتية بوصفها: " المحكي الاسترجاعي النثري الذي يقوم به شخص واقعي لوجوده الخاص،عندما يركّز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته بصفة خاصة. " 
ثم أعاد النظر فيه في كتابه الآخر : " الميثاق السير ذاتي " ،فقد انشغل بهذا النوع من الكتابة رغم ما يعانيه من تهميش يصل حد عدم الاعتراف به ضمن الكتابة الأدبية، لكن لوجون كشف جمالياته ونظر له بشكل عميق غير مسبوق. 
فالسيرة الذاتية في مفهومها العام ـ وحسب فليب لوجون مستندة في ذلك إلى مجموعة مرتكزات حدّدها " بـشكل الكلام، والموضوع المطروق، ووضعية المؤلّف، ووضعية السارد . ‏ثم جاء بعد جورج غوسدورف
George Gusdorf الذي قدّم كتابا يفند فيه كلام لوجون وأسماه " شروط السيرة الذاتية وحدودها " . 
والأوتوبيجرافي قد أنتج لنا الكثير من أشكال الكتابات مثل المذكّرات والوقائع واليوميات وما يمكن تسميته بالتخييل الذاتي، أي "إصباغ التخييل على الحياة الشخصية"، وهو مصطلح قد وضعه سيرج دوبروفسكي في كتابه " ابن " ، وهو يرى أن هذا التخييل الذاتي قدّم إضافات: "لقد أصبح مقبولا منذ بروست أن الأنا التي تكتب ليست هي الأنا التي تقدّم نفسَها للوجود، فيحاول كاتب التخييل الذاتي و يجهد نفسه وطاقته الإقناعية كي لا يظل أيُّ اختلاف بين الذي يكتب والذات التي تتمظهر في الكتابة . 
وقد حاول توماس كليرك أن يبين للقراء ذلك المفهوم الإشكالي للمصطلح ، ويعمل على تقديم مفهوم أكثر دقة مما قدمه فيليب لوجون ، فهو يعتبر أن السيرة الذاتية مفهوم ملتبس أن السيرة الذاتية حكي " تمنح لذة شبيهة بلذة الرواية الكلاسيكية حيث يتناوب السرد والوصف ، والمشاهد والتحليلات ، البورتريه والتحقيقات" بالتالي لكلمة حكي معنى يضعها كمقابل ل"الرواية" مع اختلاف الحس التخييلي الغائب في الأولى . وإضافة للحكي فهي فعل استرجاعي والطابع " الاسترجاعي للسرد يشكل إحدى مفاتن الحكي السير ذاتي" .
فالسرد متقاطع بطريقة ما مع مفهوم السيرة الذاتية ، ويعتبر توماس كليرك السيرة الذاتية " أكثر من جنس أدبي إنها نمط من الخطاب" ، لكن لو إننا اعتبرناها نوعا من الخطاب الرؤيوي للعالم فهذا يدفعنا للتساؤل عن تجنيس السرد الروائي وتقاطعه مع مفهوم السيرة الذاتية واعتبارها "جنس أدبي " فإن اختلافها الجوهري عن التخييل يمر " عبر الإحالة على ضمير متكلم ملموس وليس على شخصية متخيلة" ، مما يفرض اعتبارات حاسمة في عملية تلقي الأدب.
إن معرفة الذات هي أحد الأهداف الرئيسية التي يراهن عليها كاتب السيرة الذاتية . وتمثل وظيفة التواصل بعدا آخرا يفيد في إيصال التجربة الخاصة إلى الآخر.
أما في أدبنا العربي فقليل هي الكتابات التي يمكن وصفها بالسيرة الذاتية ، وذلك لأنها تعتمد على مواجهة الذات والقارئ عند استحضار الأحداث ، وتحمل المسؤولية الأخلاقية أمام القارئ عما يكتبه من أحداث من المتفق عليه وفق منطق السيرة الذاتية أنها أحداث حقيقية ، لا تقبل التحايل عليها أو تزييفها أو انتخاب بعض الأحداث منها دون البعض الآخر ، وذلك لأن الكاتب العربي والقارئ العربي أيضا لا يعيشان أفقا فكريا حرا يقبل من الكاتب أن يواجه ذاته وقراءه مثلما فعل جان جاك روسو في أواخر أيامه ، حين تعرض لأزمات نفسية ضخمة بعد هجر أسرته وتعرضه لمشكلات اجتماعية ، فكتب ما سمي بالاعترافات ، وفيها واجه القارئ بكل مسالبه ، حتى أنه اعترف بهجر أبنائه ، وعلاقته السيئة بالنساء ، وحاول أن يوق من الأحداث ما يبرر تلك التصرفات في أعين القراء كنوع من الاستعطاف ، ونيل الغفران . 
لكن هذا يعد مقبولا في الثقافة الغربية التي تعترف بفكرة الاعتراف والغفران التي ينالها الشخص فقط حينما يجلس على كرسي الاعتراف أمام القس أو الكاهن ويعترف بذنوبه ، ساعتها ، يخرج ناصع الضمير ، وقد غفرت أخطاؤه فقط لأنه اعترف بها، أما في ثقافتنا العربية التي لا تغفر للشخص مهما اجتهد ما فعل ، وتترك الغفران لله ، وتظل تحاسبه على أفعاله ، حتى يصل إلى الحساب أمام الله ، فالكاتب في ثقافة مثل تلك لا يقدر على كتابة السيرة الذاتية وفق الشروط الت وضعها لها المنظرون كما أسلفنا ، لأننا نعيش حالة من القهر ، والتأثيم المستمر ، والعنف الفكري المتبادل ، من أجل هذا يتحايل الكاتب العربي على فن السيرة الذاتية بكتابة ما يسمى بالسيرذاتية أو التخييل السردي السيرذاتي . 
إن الزمن في السيرة الذاتية ثلاثي الأبعاد : ماض مستعاد هو زمن الأحداث ، وحاضر، وهو زمن الكتابة ، وزمن غير متعين يدركه القارئ وحده عبر وعيه أثناء عملية القراءة . ، أما الراوي في السيرة الذاتية فغالبا يكون بضمير الأنا الذي يعيد السرد على المؤلف الواقعي ، فيدخلنا في مأزق سردي، حيث سيكون ( التبئير على بطل السيرة شيئاً مفروضاً في الشكل السير ذاتي وفق جيرار جينيت الذي يضيف في الموضوع ذاته بأن السارد السير – ذاتي غير ملزم بأي تحفظ بإزاء ذاته ، والتحدث باسمه الخاص ، بسبب تطابق السارد مع البطل ، لكن جيرار جينيت يثير نقطة التبئير ، ويؤكد على أنها تأتي من وجهة نظر السارد – البطل ،وأنها تتحدد بالعلاقة مع معلومات السارد الحالية ، وليس بالعلاقة مع معلوماته الماضية كبطل. إذن اتجاه السرد لا يبدأ بشكل خطي ، كما هو في الحياة التي عاشها في الماضي ، بل الحياة التي يرويها في لحظة انطلاق السرد ، واعتباره كجزء من ماضيه .
و أنواع الأنا المتكلم في السرد السير- ذاتي هي: 
ـ أنا المؤلف الحقيقي او الكاتب المعلن صراحة وفق الميثاق أو التعاقد السير- ذاتي بأنه صاحب الأنا الساردة في النص . 
ـ أنا السارد لمتن السيرة الذاتية ، بكونها سرداً ذاتياً، واحتكاماً إلى التبئير الذي سينفرد به .
ـ أنا الكائن السيري الذي سوف يتعين بأبعاد محددة نسبة إلى الأفعال والوصف والمحددات السردية داخل العمل نفسه. 
إن السيرة الذاتية في عالمان العربي كانت جنسا أدبيا منزاحا دائما في أدبنا العربي إلى الهامش ، من هامش الكتاب والقراء معا . 
ولكي يهرب بعض كتاب السرذاتية من تطابق المؤلف والسارد والكائن السيري (الشخصية) يستخدمون ضمير الغائب، مثلما فعل طه حسين أيامه ، وهذا يسبب خللاً سردياً يبتعد فيه السارد عن الشخصية ، والمؤلف عنهما معاً بالضرورة ، وقد يلجأ الكاتب إلى هذا التخفي حتى لا يصبح مسؤولا أمام قرائه عن أفعاله بشكل واضح ، ولكي يغالب الكتاب العرب ذلك الخوف من قوة الموانع السياسية والاجتماعية التي تدفع الكاتب إلى كتابة "سيرته الذاتية" تحت مسميات إجناسية أخرى، فقليل هي الأعمال التي كتب فيها الكاتب العربي سيرته الذاتية بشكل واضح ومحدد،بل يلجأون إلى حيل سردية ،فيهربون سيرتهم أو بعضا منها داخل الفضاء الحكائي .
وتلك القصدية من المؤلف تدفع القارئ إلى اعتبار النص السيرذاتي نصا روائيا ، حتى في حال اعتقاده بوجود التطابق بين شخصية الكاتب والسارد والبطل ، ولن يدخل على العمل بقصدية أخرى هي البحث عن ذات المؤلف داخل المتن السيري ، وأعتقد أن تعامله مع النص سوف يحدده التجنيس المقصود من قبل الكاتب وهل نصه سرد سيرذاتي أم سيرة ذاتية واضحة وصريحة . 
وفي هذا المجال يفرق فيليب لوجون بين خاصتين : التطابق في ميثاق السيرة الذاتية بين السارد والشخصية ، و التشابه الافتراضي في العمل الروائي وهو من صنع القارئ . إن السيرة الذاتية كميثاق أو عقد قراءة تحتم التطابق بين المؤلف والسارد والكائن السيري ، وهو بذاته أمر مقلق لا يمكن التيقن من مفرداته تماماً ، وهو موضوع شك دائم ، فالصدق المطلوب غير مؤكد في كتابة السيرة الذاتية لأسباب صارت معروفة ، فكيف يمكن الوثوق من بعد ، بعمل تخييلي كالسرد الروائي ليكون ضمن جنس السيرة الذاتية؟ 
وهل لو أراد الباحثون التوثيق لحياة مؤلف ما يمكنهم الاعتماد على السرد السيرذاتي وقبوله كأحد إضاءات حياة الكاتب ؟ بمعنى آخر هل يمكن إجازة السرد السيرذاتي كأحد روافد السيرة الذاتية في حياة المؤلف ؟ 
أم أنه يقرأ كعمل إبداعي له خصائصه وجمالياته ، خاصة إذا عرفنا ما تتعرض له السيرة الذاتية من إمكان الخطأ أو النسيان ، أو تعمد الخطأ كتبييض لوجه المؤلف واستعطاف للقارئ كما فعل جان جاك روسو في اعترافاته . 
فكتاب السيرة الذاتية كما يلاحظ والاس مارتن ( يتعرضون للخطأ بقدر ما يتعرض له الناس الآخرون ... ويسلطون على أنفسهم أحسن ضوء ممكن طامسين بعض الحقائق ، مخفقين في التعرف على أهمية حقائق أخرى ، وناسين وقائع" ويسرد مارتن ما يراه متغيرات تمنع تقديم صورة ثابتة لحياة الكتاب منها ما يتعلق بالنفس التي تصف الأحداث حيث تتبدل منذ تجربة الأحداث ومنها ما يتعلق بالأحداث وقيمتها في زمن استرجاعها وكتابتها. 
إن الصدق المحض ، أو ما يشبه الاعتراف السيرة الذاتية كحد أخلاقي يتعذر حدوثه ، وذلك لأسباب منها القهر المجتمعي والخوف من المسؤولية الخلاقية عن بعض الأحداث ، ومنها كذلك فكرة زمن الكتابة التي تغاير زمن الحدث ، ففعل الاسترجاع والاستعادة بواسطة الذاكرة يتمان في الحاضر ، ذهاباً إلى الماضي بطريقة الانتقاء أو الاختيار التي تسميها يمنى العيد (الاستنساب) وعجز الكتابة عن استعادة كل أبعاد المحكي بل اجتزاء الوقائع ، أو تأخيرها وتقديم بعضها عن بعض كما تقتضيه لحظة السرد الراهنة .
تلك المحاذير والشكوك لا تنفي الحاجة إلى كتابة مزيد من السير الذاتية، والاحتيال على مشكلاتها سواء لحظة الاستدعاء ، أو فكرة اختلاط ضمائر السرد أو المسؤولية الأخلاقية . 
وهذا يحيلنا إلى نقطة أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها وهي دور وموقع القارئ المنتج للنص ، فبحسب نظريات القراءة النص الذي لم يقرأ ، لم يكتب ، فما موقع القارئ من النص السيري والنص السيرذاتية؟ 
وقد درسنا كيف أن القارئ في النص السيرذاتي يمكنه أن يتماهى أكثر مع الأنا الساردة ، ويحاول إنجاز فعل المشابهة ، بينه وبين السارد او الكائن السيري، بفعل المشاركة والتجارب المتماثلة ، كما يحاول أن يملأ فراغات النص أو اللامقول و المسكوت عنه، بفعل إعادة ترتيب الأبحاث وفق متنها لا مبناها الذي ظهرت عليه في السيرة ، ولعل ذلك جزء من مكافأة القراءة ، ومتعتها ،في حين أنه لا يستطيع ذلك في النص السيري الصريح ، لأنه يضع في خلفية القراءة أن هذه أحداث واقعية ، قد حدثت للكاتب المتعين وراء النص ، ولا يمكن التماهي معها أو ملأ فراغاتها ، لأنها تبتعد قليلا عن فكرة التخييل والإيهام ، وتقترب أكثر من فكرة الصدق والمواجهة مع الذات ، واعتلاء كرسي الاعتراف أمام قارئ افتراضي يمكن أن يمنح الصفح عن الأحداث الحقيقة التي حدثت لكاتبه . 
إن السيرة الذاتية كعمل مرجعي تستلزم في قراءتها تلك المحددات التي لا تقل ثقلاً عن كتابتها ، كالصدق ومطابقة الوقائع، والتيقن من الذاكرة ، وإسقاطات الحاضر على زمن الأحداث .
إذا كان هذا حال السيرة الذاتية كجنس أدبي لدى الكاتب العربي الذي له تاريخ طويل في الكتابة الإبداعية ، فما بالنا بالكاتبة العربية مبدعة وناقدة والتي تواجه برهانيين شديدي الصعوبة ، الرهان الأول هو تلك الحرية الممنوحة للكاتب الرجل في مقابل الكاتبة المرأة التي لم تنل حريتها كمبدعة إلا في وقت قصير نسبيا ، الأمر الثاني هو التاريخ الإبداعي للمرأة قصير مقارنة بالرجل فقد آن لها أن تبوح ، فكتبت عالمها ولكن ترى كيف كتبته ؟ هل وقعت في ذات الفخ الذي وقع فيه الرجل ، وخضعت لذلك القهر الاجتماعي فلجأت إلى التخييل والإيهام عن طريق السرد السيرذاتي ؟ 
أرى أن المرأة سيكون لها حضور لافت داخل الجنس السيري ، ينعكس في خصوصية تجربتها ذاتها ، المتشكلة تحت وطأة ظروف لا تماثل ظروف تجارب الرجل كاتب السيرة .. فهو يكتب في مجتمع ذكوري ، ساهم باعتباره رجلاً في صياغة لغته وخطابه وأعرافه ، فيما تكتب المرأة في المجتمع الذكوري ذاته ، كصوت هامشي مضغوط أو مقموع ، مما يلون سيرتها الذاتية بالمزيد من المحذورات والمحظورات والإكراهات التي تعاني منها السيرة الذاتية عامة ، فيكون لجؤها إلى السرد السيرذاتي أعلى كثافة من الرجل على حساب السيرة الذاتية الصريحة . .
ولكن هذا الضغط والقمع المضاعف للمرأة ، سيهبها فرصة تشكيل خصوصية أسلوبية وموضوعية في كتابة السيرذاتية ، فنجدها تلجأ إلى نوع من السرد يعتمد التشظي، وعدم تراتبية الأحداث وسيلة في السرد ، فالرجل مثلا حين يكتب سيرته الذاتية ، قد يميل إلى التراتب الزمني المنطقي في سرد الأحداث ، حتى وإن استخدم فكرة الانتقائية التي تحدثنا عليها سابقا إلا أن المرأة الكاتبة تميل إلى التشظي في السرد .
إن القهر الذي تعانيه المرأة يبدأ من اللغة التي هي جزء من خطاب يلبي دوافع صانعه الرجل ، فصارت اللغة بذكوريتها أحد معوقات الوعي في كتابة المرأة ، وترتب على ذلك ما هو أخطر ثقافياً إذ تحولت المرأة إلى موضوع ثقافي ( وأعجب من الذين يستشهدون بكتابات إحسان عبد القدوس باعتبارها دليلا على عدم التفريق بين الكاتبة ذكورية ونسوية ، فالمرأة كانت في كل كتاباته موضوعا يكتب عنه وليست ذاتا فاعلة ) ، إذن المرأة بسبب ذكورية اللغة ، ولم تعد ذاتا ثقافية أو لغوية . 
فاللغة هي أولى المفردات الخاصة في السيرة الذاتية النسوية ، حيث تحاول المرأة أن تؤكد وجودها كائناً سيرياً بتحويل ذاتها إلى موضوع ، وتستخدم السرد بضمير للتأكيد على الوظيفة التعبيرية لعناصر الرسالة الأدبية ، فهي مرسلة الرسالة هذه المرة ، وليست موضوعا للرسالة . 
ثم يأتي القهر الاجتماعي الذي مورس على المرأة طوال عمرها شكل تقييدا لعدم نمو الوعي بالذات لدى المرأة ، وحوّل إبداعها إلى صراخ أيدلوجي مطالب ومدافع عن حقوق أهدرت . 
إلا أنه رغم كل هذه المعوقات لا يمنع أن نشير إلى أن المرأة العربية قد حققت طفرة في الإنتاج الأدبي و النقدي السير ـ ذاتي ، طفرة نوعية واضحة على مستوى كتابتها للسير الذاتية، وأيضا على مستوى إنتاجها لخطاب نقدي وتحليلي سيرـ ذاتي مواز، سواء اشتغل هذا الخطاب على السير الذاتية العربية التي كتبتها المرأة أو التي كتبها الرجل. 
ونذكر في هذا المجال باحثات وكاتبات عربيات حققن طفرات حقيقية إبداعا ونقدا منهن : نوال السعداوي ويمنى العيد و رشيدة مهران و ليانة بدر وجليلة الطريطر و ريم العيساوي و ماري تريز عبد المسيح أحلام دياب، هدى الصدة، سعاد عبد الوهاب، زهرة جلاصي، شيرين أبو النجا.. وهو ما يظهر أنهن يشكلن اليوم تراكما مهما في الأسماء والكتابات.
وحين نأتي إلى نموذج صارخ يقع في تلك المنطقة البينية ، بين السيرة الذاتية والسرد  السير ذاتي لن نجد مثالا أوضح من " خلوة الغلبان " لإبراهيم أصلان ، فهي ليست سيرة ذاتية خالصة يوثق فيها الكاتب لحياته وفق الشروط التي وضعها فيليب لوجون وسبقت الإشارة إليها ، كما أنها ليست رواية بالمعني المتعارف عليه لسبب بسيط ، وهو أن أصلان حاضر بشخصه كراو للعمل ومشارك في الأحداث التي يتم انتخابها ، بل يغالي في مراوغة الكاتب فيذكر أسماء شخصيات حقيقية ، لكنه يضعها في آفاق سردية صانعها هو ، وهو الحكم والفيصل في صدقها من عدمه ، فنجده يذكر نجيب محفوظ ويحيي حقي ويوسف إدريس والغيطاني وغيرهم من الكاتب والأعلام الحقيقيين ، لكن المنطلق السردي يصنعه هو وفق مخيلته التي تستعيد أحداثا بعينها ، يقوم بانتخابها بعناية ، ويتورط فيها كبطل وسارد في آن ، بطل لزمن مستعاد ، وسارد لزمن حاضر .


 

خاتمة

بناء  علي ما سبق يمكن القول ان مواد الفصل الثالث كانت متقاربة من حيث الموضوع وفي نفس الوقت غنية بالمعرفة المتنوعة التي تصب في إطار الأدب المقارن وقد إنقسمت هده المواد الي شق نظري  وشق تطبيقي ولكل منها جهاز مفاهيمي خاص

الشق النظري

درسنا فيه مجموعة من النظريات الحديثة المتعلقة بالأدب بصفة عامة

1)    نظرية التلقي

2)    نظرية مابعد الاستعمار

3)    السيرة الذاتية

 

الشق التطبيقي طبقنا فيه مجموعة من المقاربات التحليلية كالمقاربة التناصية وقد تجلي ذلك في مجموعة من المواد

1)    ادب الرحلات

2)    الآداب الموازية

3)    الآداب المغاربي

4)    الآخر في السرد العربي

5)    النص والصورة

6)    الأدب الشفوي

التصميم

تمهيد

الوحدة الاولي

1)      الآداب الموازية

 

2)      الأدب الشفوي

 

3)      أدب الرحلات

الوحدة الثانية

1)      جمالية النص

 

2)      أفق الانتظار

 

3)      نظريات ما بعد الاستعمار

الوحدة الثالثة

1)      تاريخ الأشكال

 

2)      تاريخ الأفكار

 

3)      النص والصورة

الوحدة االرابعة

1)      الأدب المغاربي

 

2)      الآخر في السرد

 

3)      السيرة الذاتية

 

 

 

 

 

 

 

 

    Author

    Write something about yourself. No need to be fancy, just an overview.

    Archives

    Janvier 2013


azize_albardi